1
لا أحد يعرف ماهي مهمة مبعوث الأمين العام أنطوان غوتيرش، رمضان لعمامرة في السودان.. هل هو بديل لسيء الذكر فولكر وبنفس مهامة التي ألغيت مع بعثته؟ هل هو وسيط أممي في السودان مثل مبعوثي الأمم المتحدة المتعددين إلى ليبيا؟ هل هو منسق للجهود الدولية تحت راية الأمم المتحدة. ثم من هو لعمامرة
2
هو سياسي جزائري، انخرط في العديد من الوساطات لحل عدد من النزاعات في القارة الأفريقية، اشتغل سابقاً في منصب الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، وكذلك كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيريا بين عامي 2003 و2007، وفي المجال الدبلوماسي اشتغل كسفير للجزائر لدى الأمم المتحدة في الفترة بين 1993 و1996، حتى تم تعيينه وزير الشؤون الخارجية في 11 سبتمبر 2013 بالجزائر.
يقول دبلوماسيون عملوا معه إن السيد لعمامرة يستخدم “دبلوماسية الابتسامة”، ولا يُدلي بتصريحات وحوارات كثيرة، وهي سمة غالبة على الدبلوماسية الجزائرية، وهو ما يمنحه صفة الانضباط المثالي والتماهي في تأدية الدور الوظيفي والمسؤولية الدبلوماسية. ولكن الآن ماذا ستصنع الابتسامة في ظل أوضاع مكفهرة؟
3
بحثت عن مهام السيد لعمامرة فلم أجد أنه كُلف بأي مهمةٍ غير أنه مبعوث الأمين العام للسودان، علشان يعمل شنو؟ غير معلوم. رجعت إلى سيرة مبعوثي الأمم المتحدة السابقين لأعرف كنه مهامهم التي عادة ما يُكلفون بها، فعرفت أن هؤلاء عادةً يُكلفون بملفات تتعلق بالأزمات الدبلوماسية والحروب. ودورهم غالباً هو دور الوسيط في تلك الأزمات. أحصيت أكثر من عشر مبعوثين دوليين ورأيت ماذا فعلوا بالمهام التي كُلفوا بها، فرأيت عجبًا.!!! ما عدا اثنين، هما السيد سايروس فانس المبعوث الذي كُلف أثناء أزمة البوسنه والهرسك فشلوا جميعًا وأغلبهم استقال وآخرين استبدلوا في منتصف الطريق وبعضهم تم رفضه من قبل الدول التي رُشح لها وآخرين اشترتهم دولٌ لها أموال ونفوذ ليخدموا أجندتها، لنضرب بعض الأمثلة.. فالسيد مبعوث الأمين العام فى ليبيا التي استخدمته الإمارات لفرض أجندتها وفشل، ولكنها كافأته عند نهاية الخدمة فدعته لديارها وهو مقيم الآن هناك ينعم برغد العيش (الله يستر على مبعوثنا). السيد سيرجيو فييرا دي، مبعوث الأمين العام للعراق 2005 قُتل .!! وفي 22 مايو 2019 تخلى هورست كوهلر عن منصبه كمبعوث للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية،
وآخر المبعوثين لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو البلغاري نيكولاي ملادينوف، الذي تم تعيينه في فبراير عام 2015، استقال. ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، توافد 7 مبعوثين أمميين، وهم الأردني عبد الإله الخطيب، والبريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، فضلاً عن اللبناني غسان سلامة، في أبريل عام 2011 عيّنت الأمم المتحدة البريطاني من أصل مغربي جمال بن عمر مبعوثاً دولياً إلى اليمن، حاملاً مهمة التوسط بين نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
المبعوثان اللذان نجحا فى مهمتهما لأسباب مختلفة هما السيد فيليب حبيب الذي أفضت جهوده لتوقيع اتفاقية مصريين وإسرائيليين لم يكن لينجح بغير النفوذ الأمريكي وهو أصلاً أمريكي لبناني الأصل، والثاني المبعوث الأممي سايروس فانس (أميركي) في تحقيق سلام البوسنة، عبر اتفاقية دايتون. و في نوفمبر عام 1995 نجح لان هناك إجماعًا من أربع دول كبرى في مجلس الأمن على التسوية، وهذا ما لم يكن متوفراً في مهام المبعوثين الأمميين الآخرين.
4
حاولت أن أعرف الأسباب التي أدت لفشل كل هؤلاء المبعوثين، إذ أن فشلهم أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، وجدت أن هؤلاء المبعوثين أصلاً ليس لديهم صلة بالملفات التي يُكلفون بها، ولا يكادون قد سمعوا بالإشكالات العميقة التي هم مقبلون على التعامل معها، تمامًا مثل مبعوثنا الآن السيد لعمامرة. الذي أشك أنه يعرف تعقيدات الوضع السوداني شمالاً وشرقًا وغربًا، والصراعات بين القوى السياسية الداخلية، والقضايا الشائكة التي تتطلب منه معرفتها لاقتراح الحلول المناسبة لها، وحين يدرك تلك الخبايا، فإما أن تكون الحرب وضعت أوزارها أو استحالت عليه المهمة أو أن يكون السودان راح فى ستين داهية.!!. على العموم بدا السيد لعمامرة فى تلمس طريقه بلقاءات مع فاعلين سياسيين ومع قيادة البلاد، ويمضي الآن للاستماع لآخرين، وتلك رحلة طويلة لا يعرف كم من الزمن يحتاجه للإطلاع على ملفات الأزمة السودانية بشكل دقيق، ثم يعمل على تقديم اقتراحات لسبل معالجتها.
5
السبب الثاني لفشل المبعوثين أن الأمم المتحدة نفسها ليست لديها الأدوات ولا القدرات اللازمة والكافية لوضع ضغوط على الأطراف المتصارعة، مما يضعف دور المبعوثين فى انفاذ مهامهم.
6
السبب الثالث هو استعجال الأمم المتحدة في تعيين مبعوثيها وغالبًا يأتون في التوقيت الخطأ، وقبل أن تنضج ظروف حل المشاكل المعقدة التي تساعد في اشتعال الحروب والأزمات كما يحدث الآن مع لعمامرة، يأتي في هذه الظروف مبعوثًا للسودان بعد أن فشلت بعثة أممية كاملة، لها ميزانيتها وبيدها قرار تأسيس من مجلس الأمن، فماذا سيفعل لعمامرة وحده فى مثل هذه الظروف الأسوأ؟.
الآن، الحرب على أشدها وكل طرف يؤكد أنه سيكسب الحرب وليس هناك أي أفق لحل قريب، المنبر الوحيد الذي كان يعمل، هو منبر جدة الذي تم إغلاقه ثم فُتح منبر آخر بالإيغاد المعطوبة، والآن هو في طريقه للإغلاق بعد اعتذار السودان عن حضور القمة المنعقدة يوم 18 يناير القادم. وسط هذه المبادرات والتدخلات من دول الجوار والمنظمات الأفريقية، كيف سيعمل لعمامرة، وماهو الجديد الذي سيقدمه حتى وإن كان عبقريًا واستطاع أن يفهم تعقيدات الأوضاع خلال شهر واحد أو شهرين؟!!.
الأمم المتحدة الآن مشغولة بصراعات إقليمية ودولية غاية في التعقيد، في آسيا تواجه الأزمة بين تايوان والصين وأمريكا، وأمريكا نفسها توشك أن تجد نفسها في أتون حرب شاملة بسبب تداعيات حرب غزة وهجمات الحوثيين على السفن التجارية وحزب الله في الجنوب اللبناني، ثم أن أفريقيا نفسها التي ما أن خرجت من حرب التيغراي حتى دخلت في حرب السودان، والآن توشك أن تدخل في جحيم حرب بين الصومال وأثيوبيا على خلفية أزمة اتفاق صوماليلاند مع أثيويبا ومنحها ميناءً. باختصار كل الظروف الداخلية في السودان والإقليمين الإفريقي والآسيوي لا تساعد السيد لعمامرة في انجاح مهمته المجهولة أصلاً والعجيب ان يراه البعض مطية لمحاصصة جديدة.