بحكم طبيعة عملي ظللت أهتم بالدور الذي تلعبه القوى الخارجية في تغيير أنظمة الحكم، أو السيطرة على أنظمة قائمة.
وفي عام 1994 كنت دبلوماسياً بواشنطن فاستدعاني السفير أحمد سليمان لحضور محاضرة قدمها المهندس نجم الدين أربكان، رئيس حزب الرفاه التركي.. وكنت أجلس مجاوراً للسيد عبد الله قُل أحد مساعدي أربكان وقتها والذي أصبح رئيساً لتركيا فيما بعد. وفي المحاضرة قال أربكان: إن حزبه سيفوز بانتخابات العام القادم وسيحكم تركيا.. عندها التفتُ لعبد الله قُل، وقلت له:هذا تصريح خطير، ألستم خائفين من تكرار تجربة الجزائر معكم؟قال لي: لسنا خائفين.ولكن وكما توقعت لم يمكث حزب الرفاه كثيراً حتى اضطره الجيش للتخلي عن الحكم عام 1997.. وتكررت تجربة الجزائر. (بالمناسبة قُل بالتركية تعني الزهرة.. وعندنا: دودو، وتور شين، وود أم بعولو). ومعلومٌ أن الدول الاستعمارية لا تترك مناطق نفوذها حتى لو أُخرجت منها. ومشهورة عبارة الجنرال ديجول حين قال لدى استقلال الجزائر عام 1962: “سنعود بعد ثلاثين عاماً”.وبالفعل عادت فرنسا عبر انقلاب الجنرال خالد نزار عام 1992، وكان انقلاباً فرنسياً محضاً.
وفي تركيا نظمت المخابرات الأمريكية مع فتح الله قولن رئيس منظمة “الخدمة” Hidma انقلاباً أفشله الشعب عام 2016.وفتح الله قولن عميل أمريكي وعلاقته مع الموساد معلنة، بشهادة نائبه لطيف أردوغان (لا قرابة له مع الرئيس)؛ وشهادة عبد الله يغن (94 عاماً) آخر تلاميذ بديع الزمان سعيد النورسي.
وقولن هذا هو النظير التركي لمحمود محمد طه.فهو يقول: إنه يتحدث مع الله؛ وإن الرسول قال له: لا تتزوج!!وقال “الله تكلم معي وقال لي: أنا كنت أبقي الكائنات من أجل محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، والآن أبقيها من أجلك أنت”.وكانت CIA وراء عشرات الانقلابات في أفريقيا وحدها.
وعادة تُمهد القوى الخارجية لانقلاباتها أو الترويج لسيطرة عملائها بالإعلام.. وتستخدم شركات وبيوت خبرة متخصصة في هذا الصدد.
وفي السودان، استخدمت تلك القوى شركات عدة مثل شركة كمبريدج أناليتك.تقول الشركة: إنها «وكالة تغيير سلوك» عملت في بلاد عديدة.
ومعروف تأثيرها على الانتخابات الكينية عام 2013م. ولم يتوارَ الرئيس التنفيذي للشركة عن القول في القناة الرابعة البريطانية: إنهم أثّروا على الانتخابات الأمريكية، وإنهم استخدموا أساليب خبيثة لتشويه سمعة السياسيين المناوئين لعملائهم، بما في ذلك استخدام العاهرات، معتمدين على شبكات غامضة ومقاولين يعملون في الخفاء وشركات وحسابات وهمية.
وللشركة خبراء للتأثير النفسي وسَوق الجماهير للاتجاه الذي يرغب فيه العميل باستخدام الرسالة الإعلامية المكثفة.
واعترفت كمبردج أنيليتكا بالعمل بقوة في زمبابوي وفينزويلا والسودان لإسقاط البشير.
ونجحت حملات تلك الشركة والغرف الإعلامية في شيطنة الإسلاميين خاصة وسط الشباب الأغرار والكبار الذين اهتموا بالسياسة في 2019.
وذهبت تلك الحملات بعقول الكثيرين، ومن شدتها وسيطرتها على عقولهم لم يهتموا بطرح الأسئلة المنطقية، وألغوا عقولهم تماماً؛ حتى غدت طروحات كل (الكيزان حرامية) وأنهم (دمروا البلد) من البديهيات!!!واستخدم الدعم السريع شركة علاقات عامة كندية اسمها: ديكنز آند مادسن إنك، وفقاً لصحيفة غلوب آند ميل الكندية يديرها ضابط الموساد السابق آري بن منواشي.
وأنفق حميدتي وقتها عليها 6 مليون دولار.. وناط بها مهمة تجميل صورته وخلق دعاية إعلامية توجه للجمهور السوداني بما يخدم أهداف الدعم السريع. كل الفاعلين الإعلاميين الذين كانوا قبل (الثورة) وبعدها لا يزالوا فاعلين اليوم.
وتفيد معلوماتي الأكيدة أن الإمارات تنفق ملايين الدولارات مع شركات إعلامية غربية تشغل غرف إعلامية تروج لخط قوى الحرية والتغيير وحليفها الدعم السريع.
ومنذ فترة (إما الإطاري أو الحرب) وما بعده وإلى يوم شن الدعم السريع حربه في أبريل 2023 وفشله في الاستيلاء على السلطة؛ كثّفت الغرف الإعلامية من حملة (لا للحرب).
ثم انصرفت الغرف لتركز على أن حرب ميليشيا حميدتي هي حرب (ضد الفلول والكيزان)، أو أنها (ضد دولة 1956) .
وأنها تهدف (لاستعادة الديمقراطية والحكومة المدنية).
تتكثف كل تلك الدعاية رغم أن الميليشيا المتمردة تنهب سيارات ومنازل خصوم الكيزان مثل عصام البوشي وأمجد فريد، وسيارة والد خالد سلك (الخصم خالد سلك وحده) وكل سيارات أعمامه أولاد العمدة يوسف (وبلغة أهلنا في البطانة: أمانة يا خالد سلك ما خربت جلداً يبقى سقو “قربة”)؛ ونهبت دار حزب الأمة ومنازل بعض أولاد الصادق المهدي.
وتغتصب الحرائر وتنهب الممتلكات العامة وتدمر وتقتل…ورغم ذلك (لا للحرب)!!! ولم يقولوا ماذا عن عروض بناتنا المنتهكة ، وماذا عن قتلانا ، وماذا عن الممتلكات الخاصة والعامة التي نهبوها ودمروها ، وماذا عن سمعة وصورة البلد التي أساؤا لها !!!وبعد نفير المقاومة الشعبية جنّ جنون القحاتة والخواجات.
فنبشوا من قالوا: إنه حميدتي، والتقاه قادة قحت، مما جلب عليهم سخرية واحتقار الخواجة كاميرون هيدسون، فقال:”أشاهد القادة المدنيين المفترضين للسودان يعاملون الشخص الذي يدمر بلدهم ويغتصب نساءهم وينهب بيوتهم كأنه أخوهم!! وهذا شيء يثير الاشمئزاز ويسلب مني الأمل في مستقبل بلادهم.. يفعلون هذا من أجل مصالحهم الذاتية، ويخونون كل السودانيين بلا حياء أو خجل”. Watching #
Sudan’s supposed civilian leaders treat the person who is destroying their country , raping their women and looting their homes like their brother is truly disgusting and give no hope for the country’s future . Self-serving and shameful betrayal of all Sudanese .
لكن هل لديهم الشجاعة للرد على كميرون ؟ ولو أن سودانياً قال لهم مثل ما قاله لسبّوه حتى يصلوا لجدته التي ماتت في المهدية.
وأصدر بلينكن بياناً دعا فيه الجيش والدعم السريع: ” لوقف الحرب الفظيعة والرجوع إلى الحكم المدني”. لكنه غض الطرف عن فظائع الميليشيا.
هذا هو بلينكن نفسه الذي يغض الطرف عن فظائع إسرائيل ، والذي يرفض إيقاف ذبح الأطفال والنساء والعجزة في غزة !!!وامتنع القحاتة عن إدانة فظائع الدعم السريع؛ لكنهم أصدروا تصريحات خجولة هزيلة بعد الاستيلاء على مدني.
وكانوا يبررون تلك الفظائع بما فيها استيلاؤه على البيوت.ويكذبون فيقولون: إن الحرب أشعلها الكيزان، وإنها حرب ضد الإسلاميين في الجيش! وقالت الدعاية: إن المقاومة الشعبية ستفضي لحرب أهلية، وإن البرهان يشعل نيرانها!!! مع أن ما فعله الجنجويد أسوأ من الحرب الأهلية.
تركزت حملتهم الأخيرة على النفرة الشعبية، يدينون الضحية، ويقفون مع القاتل، ويسعون لإفلاته من العقاب.
وتسعى القوى الخارجية الداعمة لهم لإرجاعهم للحكم عبر التفاوض.. وتسعى لتزيد تخويف القيادة العسكرية من الإسلاميين، والشعب غارق في همومه يمد يده لكل من يساعده للنجاة من ويلات القتلة.فما يتعرض له الناس تجاوز تلك التصنيفات الغبية.
والمؤكد أن رجوع قحت والجنجويد سيخلق بالسودان من الفوضى ما يكون أمامه ما يحدث حالياً نُزهة.فقد بدت بيننا – كشعب – وهؤلاء القتلة العداوة والبغضاء.
السفير عبد الله الأزرق ——— 2 يناير 2024