سنمضي في خيالاتنا مع الهالك المقيم (لي آخر مدى)، ونصدق أنه يمتلك القدرة والإرادة اللازمتين لتكوين حكومة في مناطق سيطرته كما لوح في التسجيل الصوتي المنسوب إليه، وسيحق لنا وقتها أن نسأل:
أولاً: ما هي مناطق السيطرة التي سيتم فيها تشكيل الحكومة المزعومة، فالدعم السريع المتمرد على الجيش الوطني لم يتمكن من بسط سيطرته على أي ولاية من مجموع ثماني عشرة ولاية سودانية حتى اللحظة، بل لم يتمكن من احتلال أي حامية كبيرة للجيش حتى في كبريات مدن دارفور التي تمثل بعض أجزائها حاضنةً اجتماعيةً له.
ثانياً: إذا صدقنا ما يردده المتمردون عن أن نسبة سيطرتهم على الخرطوم العاصمة تبلغ تسعين في المائة، وأنهم يستطيعون تكوين حكومة فيها، فنسألهم: كيف ستتعامل تلك الحكومة مع حاميات الجيش الكبيرة في العاصمة، بعد أن فشل مقاتلو التمرد في احتلال أي واحدة منها؟
وكيف ستتعاطى حكومة العدم مع القيادة العامة وسلاح المدرعات وسلاحي الإشارة والنقل ومعسكر حطاب وسلاح الأسلحة والتدريب الفني الكدرو ومعسكر العيلفون ومنطقة أم درمان العسكرية (بما فيها السلاح الطبي وسلاح المهندسين)، ومنطقة وادي سيدنا العسكرية بما فيها معسكرات الجيش الكبيرة والقاعدة الجوية ومعسكر خالد بن الوليد والكلية الحربية والمساحة العسكرية ومعسكر القوات الخاصة وغيرها من الوحدات العسكرية للجيش في العاصمة.
ثالثاً: كيف ستتعامل الحكومة المزعومة مع محلية كرري مثلاً؛ هل ستعتبرها أرضاً محتلة في ظل سيطرة الجيش الكاملة عليها، وماذا عن وضعية مواطنيها.. القانعين بوجود الجيش والسعداء بخلو محليتهم من شرور الدعامة؟
رابعاً: كيف ستتعامل الحكومة المزعومة مع منطقة جبل أولياء العسكرية التي يسيطر عليها الجيش بقوة غاشمة، لم يستطع المتمردون أن يقتربوا منها إلا مرةً واحدةً نالوا فيها علقةً جعلتهم يفرون منها فرار الصحيح من الأجرب؟
خامساً: لو صح عزم المتمردين وكونوا الحكومة المزعومة، فمن الذي سيعترف بها، ومن الذي يتحدثه نفسه بالتعامل معها بعد أن ذاعت أنباء الانتهاكات المريعة التي يرتكبها الدعامة في حق المدنيين، وانتشرت أخبار القتل والخطف والاغتصاب والنهب والسرقة والخراب وسبي النساء وتواترت الإدانات الدولية وتقاطرت من كل حدب وصوب حتى طرقت أبواب محكمة الجنايات الدولية؟
كيف ستحمي حكومة الدعم السريع مواطنيها (حال وجودهم) من انتهاكات وجرائم الدعم السريع؟
هل ستوجد أي دولة في العالم أجمع يمكن أن تورط نفسها في اعتراف بحكومةٍ لا يُعرف ما إذا كان رئيسها حياً أو ميتاً.. ونائبه هارب ومطلوب للعدالة الدولية.. وقادتها مطلوبون للعدالة الوطنية؟
سادساً: لو صحّ التوجه وأقدم المتمردون على تكوين حكومتهم المزعومة وكانت عاصمتها الخرطوم كما يهددون، فستكون الحكومة الأولى من نوعها التي لا تستند إلى شعبٍ تحكمه، بعد أن تسببت انتهاكات أوباش الدعم السريع في إخلاء معظم أحياء العاصمة من سكانها، قتلاً وخطفاً وترويعاً واغتصاباً وسبياً وسرقةً ونهباً.
سابعاً: كيف ستدير الحكومة المزعومة شئون الصحة مثلاً بعد أن تسببت انتهاكات أوباشها في إخراج معظم مستشفيات العاصمة عن الخدمة؟ وكيف ستدير شئون التعليم بعد أن توقفت كل المدارس عن العمل في العاصمة وتحول معظمها إلى ثكنات عسكرية لأوباش الدعم الهائمين على وجوههم بلا هدف ولا مأوى.. وكيف ستوفر الحكومة المزعومة خدمات الماء والكهرباء لمواطنيها (المافيشين) بعد أن دمرت البنية الأساسية لتلك الخدمات، وكيف ستوفر الأمن لمواطنيها (الافتراضيين) بعد أن تحول أوغاد الدعم السريع أنفسهم إلى أكبر مهدد للأمن في عاصمة السودان؟
* سابعاً: معلوم أن الجهاز العدلي لأي دولة يتكون من الشرطة والنيابة والقضاء، ويعلم الكافة أن المتمردين احتلوا أقسام الشرطة منذ اليوم الأول للانقلاب، واحتلوا كل مجمعات المحاكم ومقار النيابات ونهبوها وحرقوها، وعطلوا عمل كل المؤسسات المكلفة بالحفاظ على الأمن، كما عطلوا عمل الهيئة القضائية فكيف وبأي نهج وآلية سيتم الفصل بين المتنازعين لرد الحقوق إلى أهلها بغياب الأجهزة العدلية والأمنية في العاصمة المزعومة في حكومة الجنجويد المجنونة؟؟
ثامناً: لو تجاوز المتمردون كل تلك المعيقات، وكونوا حكومتهم المزعومة فمن الذي سيقبل أن يربط اسمه ونفسه بها، بعد أن صار اسم الدعم السريع مقروناً بجرائم القتل والخطف والاغتصاب والسبي والسرقة والسلب والنهب والابتزاز وجرائم الحرب والقتل الجماعي والمقابر الجماعية والتطهير العرقي وما إلى ذلك من انتهاكات تتقاصر دون قبحها ما تفعله عصابات المافيا وكارتيلات الجريمة المنظمة في كل أصقاع الدنيا.
تاسعاً: نتمنى أن يصح التهديد ويقدم الهالك المقيم على تكوين حكومته البِدعة، لنرى هل سيقبل الجناح السياسي للدعم الصريع بالمشاركة فيها أم يمتنع.. علماً أن التغريدات التي تواترت من قادة الجناح المذكور (بمجرد الفراغ من بث التسجيل الصوتي الأخير للهالك المقيم) حذرت وأنذرت من مغبة الإقدام على تكوينها، أو ناشدت البرهان ضمنياً عدم تكوين حكومة جديدة، خوفاً من أن يقدم الهالك المقيم على حماقة تكوين حكومة الفراغ الجنجويدية، بردة فعل غير محسوبة، ويورد فيها أسماء كوادر تنتمي لجناحه السياسي.. ليضعهم أمام خيارين أحلاهما مرٌ.. إما أن يقبلوا التكليف وينسفوا فرية الحياد الكاذب من أساسها ويفتضح ارتباطهم بالجنجويد على الملأ، أو يرفضوا التكليف ويتحملوا تبعات غضب الهالك المقيم وردة فعله وزوال دعمه.. وتنطبق عليهم مقولة:
ده حار.. وده ما بنكويبو!!