
أبرزت الأزمة السودانية المتفاقمة الأهمية الجيوسياسية المتزايدة لمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا حيث كشفت الصراعات الحالية عن تصاعد التنافس الإقليمي والدولي لا سيما من قبل دول الخليج التي تسعى لضمان مصالحها الاستراتيجية في واحدة من أكثر المناطق حساسية من حيث الأمن والممرات البحرية والتوازنات الجيوسياسية.
خلال الفترة الماضية اتضح أن هناك سباقًا خليجيًا محمومًا نحو ترسيخ النفوذ في هذه المنطقة خاصة بعد أن ظهرت مؤشرات فشل المشروع الإماراتي في السودان الذي كان يستند إلى دعم مليشيا الدعم السريع لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية. هذا الفشل دفع بدول خليجية أخرى وعلى رأسها السعودية إلى تكثيف حركتها الدبلوماسية والاستراتيجية في محيط السودان.
ففي الوقت الذي واصلت فيه الإمارات تحركاتها الإقليمية حيث قام أحد وزرائها بجولة شملت عدة دول مجاورة للسودان يُعتقد أنها تدعم أجندة أبو ظبي بدأت تركيا بالتحرك أيضًا إذ وقعت اتفاقية أمنية وعسكرية مع تشاد تتيح لها حصول قواعد عسكرية في شرق البلاد ما يشير إلى دخول فاعلين جدد في التوازن الإقليمي.
وفي خطوة لافتة أجرى نائب وزير الخارجية السعودي جولة واسعة شملت إثيوبيا، جنوب السودان، كينيا وتشاد تلتها زيارة وفد سعودي رفيع المستوى إلى الخرطوم ثم زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى المملكة. وتُقرأ هذه التحركات كإشارات واضحة على رغبة السعودية في لعب دور متقدم في معالجة الأزمة السودانية وإعادة ضبط موازين القوى في منطقة الساحل والقرن الإفريقي بما يضمن أمنها ومصالحها الاقتصادية.
من خلال متابعة مجريات الأحداث يمكن القول إن السعودية تسعى لإعادة التوازن مع الإمارات في منطقة النفوذ الإفريقية وهي غير راضية عن تحركات أبو ظبي خصوصاً تلك المرتبطة بدعم جماعات مسلحة مثل مليشيا قوات الدعم السريع. ويبدو أن الرياض قد نجحت إلى حد كبير في اتخاذ خطوات استباقية لكبح طموحات الإمارات في السودان مما يعزز فرصها في لعب دور محوري في أي تسوية سياسية مرتقبة.
رغم الحراك الإقليمي النشط لا يزال دور المجتمع الدولي باهتاً نسبياً مع انشغال القوى الغربية بملفات دولية أخرى كالحرب في أوكرانيا والتوتر في شرق آسيا. غير أن استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان وتزايد احتمالات تحوّل البلاد إلى بؤرة جديدة لعدم الاستقرار الإقليمي قد يدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى التدخل بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة سواء عبر ضغوط دبلوماسية أو دعم مسارات سياسية جديدة.
من السيناريوهات المتوقعة التسوية السياسية بدعم سعودي وهو السيناريو المرجح في حال استمرار التحركات السعودية الناجحة إقليمياً ما قد يؤدي إلى اتفاق ينهي الصراع عبر حكومة انتقالية تحظى بدعم خليجي ودولي.
احتمال تعقيد الصراع وتحوله لحرب إقليمية بالوكالة إذا فشلت الجهود السعودية واستمرت الإمارات في دعم مليشيات الدعم السريع مع تدخلات إقليمية أخرى كتركيا فقد ينزلق السودان إلى صراع طويل يُغذى بتضارب المصالح الدولية.
في حال تفاقمت الأزمة الإنسانية وتهدد الأمن الإقليمي بشكل مباشر (خاصة الأمن في البحر الأحمر) قد يُعاد طرح الملف السوداني في مجلس الأمن الدولي ما يفتح الباب أمام تدخل دولي أكبر.
🖋️عبدالمنان ابكرعمر
6/4/2025