مقالات رأي

عادل الباز يكتب: فيما أرى الميليشيا تتفكك!!


1
بعد تحرير مدني، ضجت الأسافير بمجموعة من الفيديوهات تم تداولها بكثافة، وجلّها صدرت من داخل أروقة المليشيا من بعض منسوبيها. كشفت تلك الفيديوهات هشاشة البناء الداخلي للمليشيات والأزمات المتعددة التي ترزح تحتها، إضافة إلى فقدان الثقة في القيادة.
2
شكا كثير من المتحدثين في الفيديوهات من غياب القيادة التي لا تظهر في ميادين القتال ولا تقود القوات في المعارك، مقارنة مع قيادات الجيش التي تسعى ليل نهار بين المتحركات المختلفة، مما ساهم ويساهم في رفع الروح المعنوية للجنود. ليس هناك أسباب تقدمها تلك القيادات كمبرر لاختفائها، مما يجعل المقاتلين ضحية لهواجسهم حول موت تلك القيادات أو هروبها من محرقة الحرب التي يكتوون هم بنارها.
3
أكثر ما استغربت له هو شكوى جنود المليشيا من عدم صرفهم للمرتبات لأشهر، ومطالبتهم الملحة للقيادة بتوفير التمويل اللازم، مؤكدين أن سرقاتهم و”شفشفتهم” لن تتوقف لأنهم بحاجة للمال ليبقوا على قيد الحياة. ما حيّرني هو كيف يمكن أن يُترك جيش كامل يقاتل بلا قضية ولا أموال لشهور، هؤلاء المخدوعين إنما يقاتلون لأجل المال فقط، إذ لا قضية ولا مشروع لديهم في حربهم هذه. الذين جاؤوا للقتال مع المليشيا إنما جاؤوا بدوافع “الشفشفة”، ولكن الآن تمت “شفشفة” كل شيء وصلت إليه بندقيتهم ولم يبقَ شيء، فلماذا يقاتلون الآن؟ الإجابة على هذا السؤال هي ما قاد للانهيارات والهزائم التي تشهدها المليشيا الآن. هذا الوضع ينطبق أيضًا على المرتزقة الذين أُوتِيَ بهم من أصقاع العالم، فلا هدف لهم إلا المال، فإذا انعدم – وهو ما حدث الآن – سيهربون؛ فلا يمكن أن يقاتلوا في قضية لا تخصهم بالمجان، ولذا نشهد هروب المرتزقة الآن إلى تشاد وجنوب السودان بكثافة.
4
يشكو الجنود من عدم وجود ذخائر وعدم وجود وقود، مع سيل من الاتهامات إلى القادة الذين “يشفشفون” بنزين المتحركات ولا يمنحون ذخيرة كافية للجنود. يكشف هذا انهيار منظومة الإمداد في المليشيا، وهذا ما يفسر ترك الجنود للعربات والفرار راجلين من ميادين المعارك. كما يكشف نوع الصراع الداخلي بين الجنود وقياداتهم الذين لا يقتنعون بتصرفاتهم، بل يتهمونهم بالسرقة.
5
من مظاهر التفكك الداخلي الذي تعاني منها المليشيا أيضًا، الصراعات المستمرة بين مكوناتها، وهذا حدث قبل تحرير الجزيرة ويحدث الآن. لقد شهدنا كيف تقاتل المسيرية والرزيقات في الخرطوم، وتقاتل الرزيقات والدينكا في الحاج يوسف، وشهدنا الخلاف بين السلامات ومجموعة من المكونات المختلفة في المليشيا بعد تحرير مدني.
هكذا تتداعى المليشيا من الداخل مع كل هزيمة وتقدم للجيش، ولم يعد يجدي تبرير الهزائم بأنها انسحاب تكتيكي، فلم يعد الجنود يفهمون هذه الانسحابات التكتيكية سوى أنها هروب من الحرب دون وجود أدنى خطة للعودة لمسارح العمليات التي انسحبوا منها. فمنذ انسحاباتهم التكتيكية من سنجة وجبل موية والدندر والسوكي، لم تعد قواتهم لأي موقع من المواقع التي يقولون إنهم انسحبوا منها تكتيكيًا.!!
6
إضافة إلى التفكك الداخلي الذي تعاني منه المليشيا حاليًا، فإننا نشهد تفككًا في تحالفاتها الخارجية. يكاد الخلاف الداخلي بـ(تقدم) بين الداعين لقيام حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع وبين المعارضين لها ، يكاد يعصف بالتحالف. وهذا كله بسبب سياسات المليشيا التي لم تعد تثق في حلفائها. ويؤشر على ذلك التفكك أيضًا بين المليشيا و(تقدم)، الحملة الإعلامية التي يشنها منسوبو المليشيا على قيادات داخل (تقدم)، وأبرزهم خالد سلك، الذي تجرأ وهنّأ أهله في الجزيرة بعودتهم بعد عام عانوا فيه الأمرّين، لم يسلم خالد من شتائم منسوبي (تقدم)، إضافة إلى أن الاتهامات أصبحت علنية بأن (تقدم) هم أبناء دولة 56 ومتماهون مع الكيزان!
7
من ناحية أخرى، وبالإشارة إلى رفض السلطات الكينية استضافة مؤتمر صحفي لقائد الدعم السريع امس ، يبدو أن تحالف المليشيا مع داعميها الخارجيين يشهد اهتزازًا غير مسبوق. فمن فرش البساط الأحمر للمتمرد دقلو إلى منع قيام مؤتمر صحفي له وينبئ ذلك بتغييرات كبيرة في علاقات المليشيا الخارجية. السبب الأساسي في تقديري هو العقوبات الأمريكية على قيادات المليشيا؛ فليس ثمة دولة ترغب في تحمل تحركات مليشيا متهمة بالإبادة الجماعية، حتى لو كان رئيسها مرتشيًا مثل روتو!. الهزائم المستمرة للمليشيات في ميادين الحرب أيضًا ألقت بظلالها على تدهور علاقاتها الخارجية، وكان الكفيل الأساسي للمليشيات قد أبلغ الأمريكيين الشهر الماضي أنه سيتوقف عن تزويد المليشيا بالسلاح.
8
أدى هذا التفكك الداخلي للمليشا مع ترافق تفكك علاقاتها الخارجية إلى بدايات الانهيار المتسارع الذي تشهده الان في مسارح العمليات المختلفة، وآخرها أمس، حيث سلم في مدينة طابت 150 من جنودها بكامل عتادهم للقوات المسلحة، إضافة إلى الهروب الجماعي الذي تشهده قرى الجزيرة الآن لجنود المليشيا.
قوات المليشيا في وسط السودان الآن، إما مهزومة معردة، أو مستسلمة وأمامها الآن خياران: إما أن تستسلم أو أن تواجه الموت الزؤام. فأيهما ستختار؟ أرجو أن تختار الخيار الأول؛ فهو أسلم لجنودها. ولقيادتها التي تواجه جرائم الإبادة الجماعية دوليًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى