
ظل السودان، منذ نيله للاستقلال، عرضة لمخططات استهدفت استقراره ووحدته، حيث توالت عليه الضغوط الخارجية، وزُرعت فيه بذور الخلاف والانقسام بين مكوناته، ما أدى إلى نشوب نزاعات وصراعات مسلحة متكررة، كان آخرها الحرب المدمّرة الجارية حالياً، والتي ترعاها وتدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة، بالوكالة عن مجموعة من القوى الدولية والإقليمية التي تسعى إلى الاستحواذ على موارد السودان وموقعه الجغرافي وتوجيه سياساته، ضمن صراع متسارع لتقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة.
لقد شكلت هذه الأدوار الخارجية عاملاً هداماً لكل مساعٍ وطنية صادقة لإنهاء الحرب، إلّا عبر بواباتها ومصالحها. ونحن، إذ نثمّن دعم بعض دول المنطقة والإقليم التي وقفت إلى جانب الدولة السودانية ووحدتها وأمنها القومي، وساندت شعبها في محنته، نعرب عن استعدادنا الكامل، وبكل مسؤولية، للانخراط في أي جهد دولي صادق ونزيه لإنهاء الحرب، وبناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة، في سبيل تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
نؤكد نحن، القوى السياسية الوطنية والمجتمعية السودانية، على أن حل الأزمة السياسية والاجتماعية في السودان ممكن وواقعي، بقدرات السودانيين أنفسهم، وبدعم الأشقاء والأصدقاء، دون أي تدخلات خارجية سلبية. وفي هذا السياق، نعبّر عن استغرابنا من الدعوة لعقد مؤتمر دولي بلندن وباستبعاد الحكومة السودانية، في وقت تخوض فيه البلاد حرباً غير مسبوقة في تاريخها الحديث، تموّلها وتغذّيها بعض الدول المشاركة في هذا المؤتمر، والتي تدّعي السعي لوقف الحرب وإنهائها.
فأين كانت هذه الإرادة وهذه العزيمة لدى تلك الدول منذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب؟ وما الذي قدمته عملياً لمواجهة الكارثة الإنسانية التي يعيشها ملايين النازحين واللاجئين والمتأثرين من هذه الحرب؟ ألم تكن مصالح بعض هذه الدول تتقاطع بصورة مباشرة مع معاناة الشعب السوداني، وتشكّل عائقاً أمام الجهود الوطنية النزيهة، وكذلك جهود بعض دول الجوار والفاعلين الدوليين الرامية إلى تسوية سياسية شاملة وإنهاء الحرب؟
لا يخفى على أحد أن هناك دولاً عميت بصائرها بمصالحها الذاتية، وأخرى رهنت إرادتها، ولم تُصدر حتى اليوم موقفاً مبدئياً واضحاً، أو إدانة صريحة، أو تسعى إلى استصدار قرار دولي أو إقليمي لردع الجهات التي تنتهك سيادة السودان وتدمّر مقدرات شعبه، وتسعى لتفتيت وحدة أراضيه.
ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في وقتٍ تواصل فيه الآلة العسكرية للميليشيات المدعومة إماراتياً ارتكاب انتهاكات مروعة، تحصد أرواح الأبرياء في معسكرات النزوح بزمزم وأبو شوك، بينما يتواصل القصف العشوائي على مدينتي الفاشر والأبيض، وسط صمت دولي مريب عن هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واستبدال المبادئ التي تدّعي هذه الدول الترويج لها من ديمقراطية وحقوق إنسان، بمصالح اقتصادية ضيقة متحالفة مع “دويلة الشر”.
نحن، السودانيين، نرفض رفضاً قاطعاً أي توجه يمس أمننا القومي أو يفرض علينا خيارات لا تعبّر عن إرادتنا. ونؤكد أننا لن نرضخ لأي ضغوط أو تدخلات تمس سيادتنا واستقلال قرارنا الوطني.
وفي الوقت ذاته، نثمن مواقف والتزامات عدد من الدول الصديقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وجمهورية مصر العربية، ودولة الكويت، والجمهورية التركية، ودولة إريتريا، وجمهورية الصين الشعبية، الجزائر، المغرب، روسيا الاتحادية، وألمانيا، وغيرها من الدول التي ظلّت تدعم السودان وشعبه، وتسعى بجدية نحو تسوية شاملة للأزمة السياسية وإنهاء الحرب.
إننا نمدّ أيادينا لجميع شعوب ودول العالم الراغبة في بناء شراكات استراتيجية، ثنائية ومتعددة الأطراف، ترتكز على التعاون المشترك في استغلال الموارد الطبيعية الهائلة التي يزخر بها السودان، وتستفيد من موقعه الجغرافي المتميّز، بما يحقق مصالح شعوبنا، ويعزز الأمن القومي لدولنا، ويخدم السلم والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
ما زال الشعب السوداني والسودان كدولة كاملة العضوية في كل المنظمات الاممية والاقليمية ينتظران صحوة الضمير الإنساني لهذه المنظمات والدول وشعوبها لمساندة الدولة السودانية وهي تمارس حقها المشروع دفاعا عن شعبها ووحدة اراضيها.
إعلام القوى الوطنية السياسية والمجتمعية السودانية
بورتسودان 14/4/2025