اقترن اسمه بالمعارك الكبرى والفاصلة ، لم تميزه الشجاعة والبسالة في وسط القوات المسلحة التي تفيض كوادرها بأمثاله من الشجعان البواسل ، ولكنه زاد على ذلك إذ امتاز بالتوفيق ، فحيثما حلَّ سار النصر في ركابه حتى صار فألاً للنصر ، محبوبٌ محفودٌ من قادته وزملائه وجنوده وكل الذين قاتلوا معه على تباينهم من زملائه في الجيش والقوات النظامية إلى المُنداري أو المجاهدين وحتى المُستنفرين والمقاومة الشعبية ، دمِثُ الأخلاق في لُطفٍ عفويٍّ ظاهر ، ولا يمنعه أن يعبر عن نفسه بوضوحٍ صارم ، كلما سمع هيعةً طار إليها ، قاتل في كل مسارح العمليات في الاستوائية والنيل الأزرق ودارفور وغرب النوير وجنوب كردفان وحتى الكرامة ، كنا والكثيرون من أصدقائه نُسمِّيه الاستراتيجي ، فما من معركةٍ كبرى إلا وابتدر نفسه لها أو انتدبته لها القيادة ، وما استعرت رحى الحرب في ركنٍ من البلاد إلا وكان جَذيلُها المُحَكِّك وعَذيقُها المُرَجِّب ، وسبق أن اختارته القيادة لقيادة كتيبة حفظ السلام مع الأمم المتحدة في بورندي فآثر مع كتيبته نُصرة زملائهم في الكرمك والميل أربعين في تجرُّدٍ وفداءٍ غير مسبوق ، لا تروقه المكاتب والقاعات والمترفات من الأسفار ، قد تعوَّد أن يُغبَّرَ في السرايا ويخرُجُ من قَتّامٍ في قَتَامِ ، وحيثما دارت رحى المعارك كان ذاك محرابه … واليوم لا نعجب أن أصبح ترجماناً صادقاً لنبض الشعب وقواته النظامية ومقاومته الشعبية وصوتهم الجهير ، فالحمدلله الذي حفظ للسودان الفريق الركن ياسر عبدالرحمن العطا فشفى به قلوب السودانيين.
سيقول البعض بأن ياسر العطا ليس ملاكاً .. وربما يَصحُّ ذلك فمن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها ، ولكن القليلون مثله الذين بذلوا مُهَجَهم لهذه البلاد بشكلٍ مستمرٍ لما يزيد عن الأربعة عقود ، وقد كان في وسعه أن يهرع إلى عاصمةٍ بديلة فيتابع العمليات ويُصدر من لدُنه التعليمات ، ويجتمع بفعاليةٍ وينبثق بأخرى ، ويُثَمِّن مبادرةً ويستهجن غيرها ، ولكنه آثر أن يكون حيث تختلط النار بالدماء وعزائم الرجال ، ليُهدي إلى السودان وأهله النصر تلو النصر ، وفيما اختار البعض مواطن الرِّيَب والظنون ميداناً لعملهم ، فقد اختار ود العطا الفتكةَ البِكرُ لاسترداد المهدور من الشرف والكرامة ، وقد أثبت للناس بأن قوة ما يُرسله من كلمات لا تقل فتكاً عن قوة الصواريخ والدانات ، وظنُّنا في الله أن الرجل قد أوجَبَ حتى ما يضرُّه ما فعل قبل اليوم أو بعده ، فسبحان من قدَّره لهذه الأيام ، ووفقه لهذه المواقف ، ويا سيدي قد عَرَفتَ فالزَم.
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيِّدٌ فَطِنٌ
لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
كَياسِرٍ وَدُخولُ الكافِ مَنقَصَةٌ
كَالشَمسِ قُلتُ وَما لِلشَمسِ أَمثالُ
القائِدِ الأُسدَ غَذَّتها بَراثِنُهُ
بِمِثلِها مِن عِداهُ وَهيَ أَشبالُ
يُريكَ مَخبَرُهُ أَضعافَ مَنظَرِهِ
بَينَ الرِجالِ وَفيها الماءُ وَالآلُ
إِذا المُلوكُ تَحَلَّت كانَ حِليَتَهُ
مُهَنَّدٌ وَأَضَمُّ الكَعبِ عَسّالُ
أَبو شُجاعٍ أَبو الشُجعانِ قاطِبَةً
هَولٌ نَمَتهُ مِنَ الهَيجاءِ أَهوالُ
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ
الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ
إِنّا لَفي زَمَنٍ تَركُ القَبيحِ بِهِ
مِن أَكثَرِ الناسِ إِحسانٌ وَإِجمالُ