أخبار

السفير عبد الله الأزرق يكتب: تبرئة المجرمين

زار أبو نوّاس رجلاً بخيلاً يُسمّى أبو هند وقت الغداء ، فتركه جائعاً وأكثر من الكلام ولا شيء سوى الكلام ، فأنشد أبو نوّاس قائلاً :
أبو هند نزلت عليه يوماً
فغداني برائحةِ الطعام

وقدم بيننا لحمًا سميناً
أكلناه على طبقِ الكلام

فكان كمن سقى الظمآن ظلاً
وكنت كمن تغدى في المنام

ذلك كان حالنا مع القحاتة عقب الإطاحة بالبشير : كلامٌ في كلامٍ في كلامِ ؛ ثم أكثروا في الأرض الفساد فأكلوا مال لجنة التمكين وتركونا كشعبٍ جائعين .
فلما دارت عليهم الدوائر تآمروا مع المجرم الجاهل فأوقدوا نيران الحرب . ولما اشتد الكرب على الجماهير تداعت لحماية الأرض والعرض .

أثار التداعي الواسع للمقاومة الشعبية الذعر في قلوب كثيرة. وجراء هذا انطلق نشاط محموم واتصالات جمة بدأت بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وامتدت لتشمل اتصالات أمريكية وأوروبية وخليجية مع القيادة السودانية؛ كلها تهدف لإجهاض المقاومة الشعبية أو تجاوزها بأي صورة. ذلك لأن كل هذه الأطراف تُدرك أن المقاومة الشعبية ستقلب المعادلة التي كانت سائدة رأساً على عقب.
وتزايد الهلع وسط تلك الأطراف وكذلك بين قيادة الميليشيا المتمردة وقيادة قحت. لهذا يسعى هذان الطرفان تحديداً لصيغة ما مع القيادة السودانية تنجيهما من مآلات نجاح حملات الجيش والمقاومة.

معلوماتي الأكيدة أن حميدتي يسعى للتفاوض بكل ما أوتي من قوة.
كما أن معلوماتي الأكيدة تشير إلى أن قيادات قحت تسعى بقوة للتفاوض.
ويجد هذان الطرفان دعماً من الغربيين ليتم هذا التفاوض.
وقد وجدت الميليشيا وقحت وداعميهم طوق النجاة في الدعوة لتفاوض داخل السودان. واتضح تلهفهم لهذا الضرب الجديد من التفاوض في تصريحات محمد الفكي المشهور بمنقة وجعفر المشهور بسفارات، اللذان قالا إنهما على استعداد للمجيء للسودان حال تحديد زمان ومكان التفاوض.

هناك أسباب عدة أجبرت قيادة الميليشيا المتمردة على طلب التفاوض: (1) منها أن الجيش والمتطوعين فتكوا بعناصر الميليشيا في العاصمة فتكاً ذريعا.
(2) ثم إن الميليشيا فشلت في إدارة المناطق التي سيطرت عليها في غرب السودان. فقد ارتفعت أسعار لكل شيء بصورة جنونية، وتعاني تلك المناطق من شح في كل المواد جراء انقطاع الطرق بينها ووسط السودان ومينائه. ووصلت الأوضاع حد انقطاع مياه الشرب في بابنوسة نظراً لانعدام الوقود لتشغيل مضخات سحب المياه من الآبار. دع عنك كراهية المواطنين لعناصر الميليشيا الذين أذاقوهم الأمرَّين.
تعطلت خدمات الكهرباء ومرافق الصحة والتعليم بكل مراحله؛ وانسحب الموظفون والعمال والفنيون وتركوا العمل مع الميليشيا لتشغيل تلك المرافق.
( 3 ) بدأت نُذُر الانهيار والهرب بين عناصر الميليشيا .
ونتيجة لهذه الضغوط أخذ عبد الرحيم دقلو يتوعد القحاتة بالثبور وعظائم الأمور؛ متهماً إياهم بالخيانة بعد أن وعدوهم بكل الدعم وتشغيل كل المرافق في المناطق التي يسيطرون عليها.
أيقنت قيادة الميليشيا أن الحكم لا يقوم على البندقية والقمع، وأن تحدياته تحتاج لكوادر وقدرات وخبرات، لا هي تملكها، ولا يتمتع بها جناحها السياسي (قحت).
أزعم أنها استيقنت ذلك لكنها تجحده ، لذا تواصل جرائمها .
وأرى أن قحت تعلم أنها أرجعت السودان عشرات السنين للوراء لافتقارها للكوادر المؤهلة ، لكنها لا تستطيع أن تُقرّ بحق ، فهي طامعة ( والطمعُ كالحبِ يُعمِي ) ) هذا من ناحية ؛ من ناحية أخرى فهي مَقُودَة.
قحت لم يُجدِها تبديل جلد الأفعى بالاسم الجديد المفتعل . حزب الأمة شرع في مراجعات والبعثيون والشيوعيون خارجها ؛ فلم يبقَ فيها إلا حمدوك وسلك ومنقة والدقير وسفارات . وحتى الجنوبيون ما عادوا كسابق عهدهم معهم ؛ بسبب مظاهرتهم للميليشيا التي جندت الجنوبيين معارضي نظام سلفاكير . فماذا تبقى منها ليجري التفاوض معه ؟

جاءت المناداة لقحت والميليشيا للتفاوض الداخلي في وقت لاحت فيه بشائر النصر بما تحقق من انتصارات بجهود جبارة وتضحيات جسام. وفي هذا خذلان عظيم للجيش والمجاهدين معه بعد كل ما بذلوا.

ثم إن تلك الدعوة تمثل طوق نجاة لمجرمين مارسوا ضد المواطنين كل ضروب الإجرام وما استبقوا شيئاً. وهو ما يبحثون عنه وتبحث عنه القوى التي تحركهم وترعاهم؛ ليعودوا للساحة السياسية كأنهم بُرَآء.
طفقت قيادات الميليشيا وقحت يتحدثون عن التفاوض والسلام ( ونعرف جميعنا أنهم دمروا بلادنا بحربهم ) بعد أن خارت قواهم . وهكذا يراوغ ويتحول المجرمون :
“ كل المجرمين يتحولون إلى وُعّاظ تحت المِقصلة “ . All Criminals Turn Preachers Under the Gallows

ليس ثَمّة منطق يبرر مدَّ طوق نجاة لمجرمٍ يفتك حتى اليوم بالأبرياء من المواطنين. والميليشيا ومحرضوها القحاتة في الجريمة سواء. والتفاوض معهم منجاتهم من فظائعهم؛ وهذا لا تقول به شرعة أو قانون.
التفاوض هو التفاوض، سواء أكان داخل السودان أو خارجه.

لن ترضى الملايين بأي ضرب من التفاوض. فقد عانى كل السودانيين من ويلات حرب الميليشيا وقحت. كلهم عانوا. ولم تسلم المناطق التي نجت من سيطرة الميليشيا من المعاناة. انهيار الاقتصاد واللجوء والنزوح ألقى بكلكله على الجميع.
لن تقبل الملايين بأي ضرب من التفاوض مع القتلة والمغتصبين والنهابة ممارسي الإبادة الجماعية وداعميهم.
كأني أسمع كل سوداني يسأل عملاء قحت في عواصم النخاسة :
Who is paying your bills ??
يسألهم ليس مستفسراً ، بل نكاية بهم ، وهو يعرف الإجابة .
كِلا ميليشيا حميدتي وجناحها السياسي ( قحت ) مجرمين .وتبرئة المجرمين ظلم للضحايا ؛ والسكوت عما اقترفوا مشاركة في الجريمة . وليس ثمّة جهة مفوضة اليوم لتنازلات لمجرمين . ليس ثمّة جهة تستطيع السكوت عن المجرمين الذين يعملون عملاء ، أو رمي طوق نجاة لهم .

وهكذا فإن التفاوض مع المجرمين ، وجيشنا تتوالى انتصاراته ظلم للجيش وظلم الشعب .

📍السفير عبد الله الأزرق 

————————————
5 يناير 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى