للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
زيارات معلنة وسرية.. الدوافع والمحصلة!
طبيعي أن يقترن المسار العسكري مع المسارين السياسي والدبلوماسي في الظرف الحالي بالسودان، لكن غير الطبيعي ولا المقبول أن تغيب الشفافية، وينعدم الوضوح ولا يتم إعلان مسببات ودوافع ونتائج الزيارتين المعلنتين اللتين سجلهما الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (بصفتيه السيادية والعسكرية)، للعاصمة الكينية نيروبي والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والزيارة (السرية) التي نفذها الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
نسأل ابتداءً عن مسوغات زيارتي البرهان لروتو وآبي أحمد في ظل المواقف المعلنة للرئيس الكيني ورئيس الوزراء الإثيوبي من الأحداث الجارية في السودان منذ منتصف شهر أبريل الماضي.
ويعلم الكافة أن مواقف روتو وآبي كانت سالبة إنْ لم نصفها بالعدوانية تجاه السودان وشعبه وجيشه، ولا سيما بعد أن حاول آبي أحمد استغلال استضافة بلاده لمبادرة الإيقاد وعضويته في اللجنة الرباعية المكلفة بإقرار حل للأزمة السودانية كي ينفي وجود قيادة بالسودان ويطعن في شرعية رئاسة البرهان نفسه لمجلس السيادة.
علاوةً على موقفه المعادي للجيش السوداني عندما استغل منبراً يفترض من الذين يتمتعون بعضويته التحلي بأعلى درجات الحياد والانضباط في المواقف والتصريحات… استغله للمطالبة بتجريد الجيش السوداني من أبرز نقاط قوته، والمناداة بفرض حظر على الطيران وآخر على المدفعية الثقيلة!
ذلك عن مواقف آبي أحمد، الذي تحتضن عاصمة بلاده كل الاجتماعات التي يتم فيها التآمر على السودان وجيشه وشعبه، وعن مواقف الرئيس الكيني ويليام روتو حدث ولا حرج، لأن علاقاته التجارية والشخصية مع قائد التمرد وانعدام عنصر الحياد عنده دفع الحكومة السودانية لرفض رئاسته للجنة الرباعية للإيقاد، فما الذي جدّ منه، وهل تغيرت مواقفه وتحسنت كي يطير إليه البرهان في نيروبي التي تشهد هي الأخرى فواصل من المؤامرات القذرة ضد السودان وجيشه وشعبه؟
بالطبع لا بُد من التطرق للزيارة السرية التي سجلها الفريق أول شمس الدين الكباشي للإمارات ونسأل: ما الداعي للسرية والتكتم أصلاً.. ولماذا تمت الزيارة تحت جنح الظلام.. وهل صحيح أن الطائرة التي أقلت الكباشي (والمملوكة لرجل أعمال سوداني شهير) توقفت لعدة ساعات في مدينتين عربيتين (شمالاً وشرقاً) لتفاوض آخر.. تحيطه السرية وتظلله الريبة ويعيبه غياب الشفافية؟
بالطبع لن يجدي النفي بعد أن تسرب خبر زيارة الكباشي لأبو ظبي وذاع وعمّ القرى والحضر.. من دون أن تذاع معه تفاصيل وملابسات ومخرجات الزيارة ونتائجها.. إن كانت لها نتائج أصلاً.. بخلاف ازدياد وتيرة الهجوم على حاميات الجيش ومعسكراته في الأيام الماضية.
لماذا ولأجل من ولمصلحة من تتم كل هذه التنازلات المُوجعة لتكسر ظهر الشعب السوداني المصطف بكامله (إلا قلة من الخونة والعملاء) خلف جيشه الباسل؟ لماذا تتم إدارة هذا الملف في الظلام وبغياب أجهزة الدولة المعنية به؟
مطلوب من قادة الدولة والجيش أن يتخلوا عن النهج الحالي ويكونوا أكثر وضوحاً ومباشرةً وشفافية في تعاملهم مع شعبهم المنكوب الذي فقد كل ما يمتلك وضحى بكل شيء، ولم يتوان برغم عظم مصابه في مساندة قيادته وجيشه الباسل وجنده الميامين وهم يخوضون معركة الكرامة، التي قدم فيها الجيش وبقية القوات النظامية والمستنفرون تضحيات جسام، وجادوا فيها بدماء زكية ومهروها بأرواحٍ غالية، حلقت في سموات الوطنية والمحبة والإباء والولاء والتفاني دفاعاً عن الأرض والعرض.
هذه التضحيات الجسام تستحق أن تُحترم، وهذا الشعب الحُر الوفي يستحق من قادته أن يتعاملوا معه ومع مواقفه القوية التي سجلها التاريخ باحترام.. وبمعزل عن الريبة والسرية اللتين تحيطان بزياراتٍ لا يعلم أحد دوافعها ناهيك عن مخرجاتها.. والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس.