قبل حوالي أسبوعين من الآن، وبالتحديد في الرابع من شهر أكتوبر الحالي أصدر الدكتور حسن التوم عبد الله وكيل وزارة الثروة الحيوانية قراراً غريباً ومريباً، قضى بالسماح باستيراد دجاج لاحم مذبوح من الخارج وفق الاشتراطات الصحية المعمول بها، على أن يستمر مفعول القرار نصف عام!
* أورد السيد الوكيل حيثياتٍ تحوي معلوماتٍ كاذبةً ومضروبة بالكامل ليبرر بها قراره الغريب والمريب، إذ زعم أن الحرب التي تدور في الخرطوم تسببت في تدمير مزارع الدواجن تدميراً كاملاً (بنسبة 100%)، وأن المسوحات الميدانية لعدة ولايات أثبتت وجود فجوة في لحوم ومنتجات الدواجن أدت إلى ارتفاع أسعارها بنسبة تزيد عن (150%)!
* وصفنا حيثيات القرار بالكاذبة والمضللة لأن ما ذكره الوكيل عن تعرض مزارع الدواجن للتدمير بالكامل بسبب الحرب غير صحيح، إذ إن العديد من الشركات ظلت تعمل وتنتج برغم ظروف الحرب التي تعلل بها الوكيل، ومنها شركة دواجن ميكو التي تستحوذ على ما نسبته (40%) من مجمل إنتاج الدواجن في البلاد، علاوةً على شركات أخرى عديدة في ولايات الجزيرة والقضارف وكسلا وبورتسودان، وأن الفجوة التي تحدث عنها الوكيل حدثت لمدة عشرة أيام فقط، وتلك الفترة لا تكفي لاستكمال إجراءات أي شحنة يراد بها تغطية الفجوة، بل لا تكفي لاستيراد أي سلعة من الخارج.
* لإقناع الوكيل بعدم صحة الحيثيات التي أوردها في قراره المريب طلبت غرفة الدواجن منه أن يفزع نفسه لمدة ساعتين فقط، كي تصحبه في جولة لمزارع الدواجن العاملة في مدينة ود مدني فقط، وتثبت له أن هناك مليون دجاجة موجودة فيها، لكنه لم يفعل!
* بعد ذلك راجت أنباء عن وصول شحنة من الدجاج المستورد وتسربها إلى الأسواق، من دون استكمال الإجراءات واستيفاء الاشتراطات الصحية والرسمية الخاصة بالاستيراد، ومن دون أن تمر على المواصفات والمقاييس، وتردد أنها كانت موجودة في الميناء لحظة صدور القرار المريب، ولو صحت تلك الأخبار ستشكل الواقعة جريمة تهريب مكتملة الأركان، وواقعة فساد مشهرة، علاوةً على التهديد الذي تشكله الشحنة (البوكو) على القطيع القومي، وعلى مجمل قطاع إنتاج الدواجن في السودان.
* اليوم (أي بعد زهاء أقل من أسبوعين من موعد صدور القرار الأول)؛ أصدر الوكيل نفسه قراراً لحس به قراره السابق، بعد إن تلقى توجيهاً من مجلس الوزراء بالإلغاء.. وذلك يعني ببساطة أنه لم يراجع خطأه من تلقاء نفسه، مثلما لم يعتذر عنه وعن الأكاذيب التي أوردها في حيثياته المضروبة، كما لم يتكرم بالاستقالة من منصبٍ مهم، لم يحسن إدارته، ولم يمنحه حقه، ولم يحترم أمانة التكليف الخاصة به.
* الإلغاء وحده لا يكفي، ومن واجب مجلس الوزراء أن يحيل هذا الملف المنتن بكامله إلى النيابة العامة في ولاية البحر الأحمر، كي تحقق في ملابسات القرار الأول، والأسباب التي دفعت الوكيل لإصداره، والجهات التي استفادت منه، ومدى صحة ما يتردد عن وصول شحنة فراخ غير مطابقة للمواصفات وغير مستوفية للإجراءات، وكم تبلغ كميتها، وهوية الجهة التي استوردتها، والذين ساعدوها في تهريبها، وإحالتهم إلى المحاكمة فوراً!
* من المحزن حقاً أن يستشري الفساد في زمن الحرب، وأن تحدث مثل تلك الممارسات القبيحة والمخزية في وقتٍ يقدم فيه جنودنا الأبطال أرواحهم رخيصةً فداءً لوطنهم وأرضهم وشعبهم.
* لا مجال للتجاوز عن الواقعة المخزية، ولا عن أي وقائع فساد مماثلة تردد المجالس أنها حدثت بواسطة بعض تجار الحروب، في استيراد سلع أخرى يرتبط بعضها بالمجهود الحربي نفسه، وفي سرقة وتسريب مواد الإغاثة إلى الأسواق وبيعها بعين قوية، ولنا عودة لبعض تلك الكوارث في وقتٍ لاحقٍ بإذن الله.. لنسمي المتورطين فيها، ونكشف فسادهم وخراب ذممهم وجرأتهم على وطنهم وأهلهم وجندهم الذين يراد لهم أن يقاتلوا بظهرٍ مكشوفٍ، دفاعاً عن وطنٍ منكوب.. بالفاسدين وتجار الحروب!