فيما أرى
عادل الباز
النور.. كمد.. ولبس الكدمول (2-3)
1
في نهاية الحلقة الأولى من هذا المقال، رأينا كيف كفر النور حمد بالحراك المدني، وقال إنه لا شوكة له ولا أسنان، وهو في النهاية حراك هامشي لن يأبه به أحد، ولا يمكنه إسقاط حكومة الكيزان الشرسة المدججة بالسلاح!. إذن، ما الحل يا دكتور النور؟
يجيب النور (فليوحِّد من يقفون في صف الثورة بندقيتهم، وقواهم السياسية في بنية واحدة متماسكة متعاضدة، ثم يعلنوا حكومتهم على رؤوس الأشهاد، بلا مواربة.). يعني النور يدعو (تقدم) التي لا بندقية لها أن تتوحد مع بندقية مليشيا الدعم السريع التي تقف في صف الثورة! لماذا ؟ بحسب نظريته، السلاح هو الحل! ثم يدعوهم بعد ذلك لإعلان حكومتهم على رؤوس الأشهاد،او كما قال.
هكذا فجأة، تحول النور من مثقف ذي رسالة ثانية إلى مليشياوي يسير منشرحًا خلف قطيع الراعي! ألم أقل لكم إنه كمد؟. الغريب والعجيب ان ذات النور الذى كتب الأسبوع الماضي مقاله (الحكومةُ الموازيةُ هي بدايةُ المخرج) كتب تغريدة في 24 أكتوبر 2024 قال فيها (ضلوع المدنيين في القتال يسلبهم الحقوق المنصوص عليها في القانون الدولي الانساني إذ يحولهم لمقاتلين وهنا يفقدون مبدأ الحماية بالقانون نظراً لتحولهم من مدنيين لمقاتلين).
إذن هذا هو النور، يتغير ويتلون ويلبس لكل حالة (كدمولها).. فمن دعوته في ديسمبر في العام الماضي إلى عدم تحول المدنيين لمقاتلين، دعاهم الآن لتوحيد بندقيتهم مع الجنجويد ليقاتلوا بها جيش الكيزان!!. وفي ذات الإطار تدعو بت الأستاذ محمود، أسماء زوجة د. النور، لدعم الدعم السريع وتقول (ينبغي التحلي بالجرأة والشجاعة في دعم انتصارات الدعم السريع في الحرب وفي الدبلوماسية). بيت النور عنكبوتي أسس على ضلالات الرسالة الثانية وانتهى به الدرب في بيت الجنجويدي، فاتخذه رسولاً لرسالة الهمج الذين رمت بهم الصحارى جنة الماؤى.!!
2
(تقدم) لا بندقية لها، تحالفها مع المليشيا المدججة بالسلاح يعنى أنها أسلمت قيادتها لهمج المليشيا يفعلون بها ما يشاؤون، إلا أن يكون النور يحلم بأن المليشيا ستخضع لسلطة قوى مدنية هو نفسه قال إنها ظاهرة صوتية لا شوكة لها ولا أسنان. هل سمعتهم بميليشيا أو أي قوة مدججة بالسلاح خضعت لجماعة مدنية وأسلمتها السلطة، وهي ليس لديها سوى لسان وشفتين؟!
3
نأتي إلى موضوع الحكومة، وهي الخطوة التالية التي تعقب توحيد البندقية بحسب النور: (يعلنوا حكومتهم على رؤوس الأشهاد، بلا مواربة). ثم ماذا بعد إعلان الحكومة يا دكتور؟ (حينها سيرون كيف سيمنحهم المجتمع الدولي والإقليمي وزنًا لم يسبق له أن منحهم إياه.).
يقول د. أمجد فريد (تكوين مثل هذه الحكومة ليس سوى دليل على سيطرة شبق السلطة على عقول هؤلاء الساسة، حتى لو كان ذلك على حساب تقسيم السودان وزيادة معاناة شعبه.). وقد صدق.
إذن، بحسب د. كمد، (بمجرد تكوين تلك الحكومة، يهرول العالم للاعتراف بها، ويمنحهم وزنًا في المحيطين الإقليمي والعالمي لم يسبق أن منحهم إياه!) يا إلهي، متى تأتي القيامة؟ هل فعلاً يعتنق النور حمد مثل هذا الهراء؟ هل لهذا الدكتور الكامد أي علاقة بالسياسة المحلية أو الدولية؟ ليتك يا دكتور أنفقت زمنك في تجويد العزف على العود والغناء للكابلي، كان ذلك أرحم من هذا الذي تدلقه هذه الأيام في الأسافير!
4
قبل أن يجف حبر مقال النور (الحكومةُ الموازيةُ هي بدايةُ المخرج)، رد عليه المجتمع الدولي ممثلًا في سيدته المتغطرسة أمريكا على لسان بلينكن، متهمًا الجنجويد بارتكاب جرائم إبادة جماعية وفرض عليهم عقوبات. أي أنه يا دكتور، تم تجريم بندقية الدعم السريع التي تدعو (تقدم) للتحالف معها وإقامة حكومة. من يعترف بحكومة متهمة بجرائم إبادة جماعية؟. لن يعترف بها أحد، ناهيك عن أن يعطيها وزنًا .
5
أما المجتمع الإقليمي، فلقد جاءه الرد من كينيا، بلد المرتشي روتو، إذ منعت السلطات الكينية أمس الأول إقامة مؤتمر صحفي للجنجويد. فإذا لم توافق كينيا على مؤتمر صحفي فهل ستتجرأ على الاعتراف بحكومة قادتها مطاردون باتهامات الإبادة الجماعية؟ هل سمع النور بأن الاتحاد الإفريقي يمنع الاعتراف بأي جزء ينفصل عن الدولة الأم دون موافقتها؟ هكذا تعامل العالم مع صوماليلاند التي قررت الانفصال عن الصومال الكبير منذ بداية التسعينيات، وحتى الآن لا أحد يعترف بها كدولة ذات سيادة.
6
لا أكاد أصدق أن من كتب (مهارب المبدعين)، وكتب (لماذا يصحو مارد الهضبة، ويغفو مارد السهل؟)، وكتب (العقل الرعوي) يمكن أن يكتب في السياسة بمثل هذه الضحالة ! بالله، أنت يا دكتور، هل أنت النور حمد ذاتو؟! إذن، كيف تحولت من مبدع منتج للمعرفة المثيرة للجدل – اختلفنا أو اتفقنا معك فيما تثيره – إلى محامي لشياطين الجنجويد؟ تكتب مدافعًا عنهم، ودماء أهلك في أنحاء الجزيرة لم تجف بعد!
قررت أن أختم هذه المقالة برائعة الحسين الحسن (أكاد لا أصدق)، تلك الأغنية التي يعشقها النور، وكم من مرة أطربنا بها في أمسيات الدوحة الشجية. سقى الله ذاك الزمان:
(أكاد لا أصدق
يا أنت .. يا أنت إنني
أكاد لا أصدق
أهذه الحروف؟ … كلّ هذه الحروف
خطّها بنانك المنمّق
بنانك المنغّم المموسق
لا غرو ..
إنها تأتلق
وإنها تموج بالعبير تعبق
وإنها تجعلني أحترق
أسطرها ..
بحر اشتياق موجه يصطفق.)
نواصل…