مقالات رأي

عادل الباز يكتب: أيام في ساحل الشرق (1)

1
كيف الوصول من البحر الأحمر إلى بحر أبيض؟. كل الطرق مغلقة بفعل الأبالسة ولا تؤدي إلى هناك.. كيف يمكن أن أكحل عيناي برؤية الدويم وطني الصغير ؟ من كان يصدق أن سؤالاً عربيداً كهذا يمكن أن يطوف بخاطري والطائرة تحط بمطار بورتسودان.. وحين توغلنا في حواري المدينة قبل الوصول إلى مقصدنا ولامس عطر تراب الوطن أنوفنا وجدت نفسي أدندن مع العطبراوي والشاعر
محمد عثمان عبد الرحيم
كل أرجائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن..
نتغنى بحسنه أبداً دونه لا يروقنا حسن
حيث كنا حدت بنا فكر ملؤها الشوق كلنا فدا
نتملى جماله لنرى هل لترفيه عيشه ثمن
غير هذي الدماء نبذلها كالفدائي حين يمتحن
بسخاء بجرأة بقوى لا يني جهدها ولا تهن).
لم أحس بطعم هذا الشعر الباهي الذي طالما تغنينا به إلا الآن… ما الوطن.. هو المكان الذي إن غادرناه مكرهين لا يغادرنا.. هو الشارع الذي لا تضطر أن تحمل فيها هوية.. وهو الحضن الذي يشعرك بالأمان والدفء فتمشي في أرجائه لا تتلفت… هو الأرض التي تشعر أن لك فيها جذور لا يمكن أن تقتلع… وهذا ما أحسست به وأنا أملأ رئتاي بهواء الثغر.. لكم عشقت هذا المكان ولي فيه ذكريات وأصدقاء… قال واسينى الأعرج(إن المدن التي لا بحر ولا نهر مدن بلا رئة لا أستطيع التنفس فيها) وأنا كذلك.
كنت صغيراً “جداً” في طلائع مايو حين لامست أول مرة قدماي أرض الثغر (كنا نغني بورتسودان يا جنة يازينة وطنا.).. ثم امتد بنا العمر لنستمتع بروائع غناء شاعر الشرق بازرعة الذي لا يزال يفعل بنا الأفاعيل ونحن في “عز الشباب” (لا شنو يا أستاذ هاشم).
بورتسودان اليوم ليست زينة وطنا ولكنها (وطنا … ال ب اسمو هتفنا).. كل شيء هنا يذكرك بأيام إيلا التي تحمل له المدينة وأهلها وفاءً وحباً مدهشاً.. كل آثاره وبصماته تدل أن الإرادة والإدارة السليمة قادرة أن تفعل كل الممكن وبعض المستحيل.. تلك الآثار التي مسها الخراب الآن يجاهد الوالي ليعيد لها بعضاً من ألقها.
وجدنا كل السودان هناك، كما جمع البحر الأحمر في جوفه اللآلئ والأصداف والجواهر جمعت هذه المدينة كل قبائل السودان وسحناتهم ولهجاتها المختلفة، صحيح أن الحرب اللعينة دفعت بهم شرقاً فوجدوه شرقا ماعرفوه من قبل ومن عرف الشرق عشقه… شرق على بؤسه يلاقيك هاشا باشا باسم الثغر لا يعتبر أبداً من ضيف أو عابر سبيل، تلاقى الجميع في أحضان الشرق مما جعل لبورتسودان نكهة مميزة.. تلاقيت فيها روائح البن بالجنزبيل مع رائحة البحر المنعشة فصنعت نكهة تخص تلك المدينة وحدها.
قبل أن تغادر محطة جوهرة الشرق أود أن أسألكم؟.هل هدأت العاصفة.. هل صار الجو صحوا.. ولماذا ثارت تلك العاصفة برياحها الهوجاء؟ أم هذه هي الطبيعة… طبيعة الأسافير الحمقاء.
2
حين كان بعض من زملائنا في الوفد تحت القصف في أم درمان كانت الأسافير تقصفهم وتدونهم وتدينهم تجرؤ وزاور وطنهم…. تلك هي مأساة الوطن قبل الحرب وبعدها… وما استخلصته من تلك العواصف الهوجاء أن الحرب لم تعلمنا شيئاً.. لازلنا نحنا يانا نحنا.. تحاسد وتباغض واتهامات وتخوين… ترى كيف يمكن بناء وطن معافى بمداميك الكراهية هذه.؟!!. الله غالب
3.
لم يترك لي الزملاء رفقاء الوفد ما أقول.. فكل المعلومات أفلحوا في تمليكها للجمهور ببراعة وأمانة، ما تبقى لي هو النفاذ ما وراء اللقاءات التي اجريناها وما أحسست به بعد كل لقاء وتنوير وصورة الزيارة كلها وعبره ودروسها
4.
أغلب المعلومات التي استمعنا إليها من الرئيس البرهان كانت معلومة لدى ولدى كثيرين في الوفد وتلك التي لم تكن معلومة طلب الرئيس عدم نشرها إلا أن مهمة الوفد لم تكن الاستماع إلى الرئيس لفهم ما يجري بل لاسماع الرئيس مالم يصله من تساؤلات واتهامات تنتشر دون أن تجد من يرد عليها. سأحاول عبر هذه المحطات إلقاء بعض الضوء على زوايا أخرى من اللقاءات مع قيادات البلاد في هذا المنعطف الأخطر في تاريخ البلاد..
نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى