(1)
قضية نفط جنوب السودان لن تحل من خلال لقاء وزراء النفط فى البلدين ، ولو كان الأمر كذلك لما أحتاج قلواك دينق حمل رسالة من سلفاكير إلى البرهان ، ولكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك ، وحتى ما ورد من مقترحات حل غير عملية وغير ممكنة ، وهذا نتاج تقديرات حكومة جنوب السودان وخياراتها المترددة ما بين الاستجابة لرهانات خارجية وضغوط مع علاقات شخصية بين حميدتى وقلواك وخطوط تواصل واضح.. وما بين علاقات بين بلدين جارين بينهما مصالح أكثر أهمية من نظرة محدودة وحدث عابر..
- خبراء اوربيين تحدثوا فى مايو من العام الماضي عن خفايا آخر زيارات قلواك دينق إلى السودان فى ابريل 2023م ، ومعرفته مسبقا بتحرك عسكرى بواسطة مليشيا الدعم السريع ، فقد ابلغه حميدتى قائد المليشيا نيته التحرك عسكريا ، وكل ما فعله قلواك هو نصح اقاربه مغادرة الخرطوم قبل يوم السبت 15 ابريل 2023م..
- طيلة أكثر من عام من الحرب ، ظلت مشاركة أبناء الجنوب تتزايد فى الحرب ، و عوضوا كثيرا من استنزاف قاعدة المليشيا ، بعد تراجع نسبة المرتزقة من النيجر وتشاد ومالى ، لدرجة أن عدد المقبوض عليهم فى الاذاعة فقط 152 من منطقة واحدة بأعالى النيل ، وعماد قوة المليشيا ببحري وخاصة مناطق المزارع وشارع مور وحتى شارع القذافى وحتى ود راوه كلها ارتكازات من ابناء جنوب السودان ، ومن الواضح أن ذلك عمل منهجي وخطوط امداد كبير دون أى موقف أو تنبيه أو تحذير من حكومة جنوب السودان..
- واشارت تقارير دولية واممية عن حركة الامداد والتشوين للمليشيا عبر جنوب السودان ، بل بدأت محاولات رصف طرق بين أبو مطارق وراجا ، ومع صعوبة الأمر لكنه إشارة إلى طبيعة العلاقة المسكوت عنها..
(2)
وخلاصة القول ، هذه قضية أمنية وسياسية بالدرجة الاولي ، وعلاجها يبدأ من تصحيح حكومة جنوب السودان لمواقفها وتأكيد دعمها العملي للسودان لانهاء هذه الحرب ، فهذا تمرد على السلطة وتاثيره بالغ على الطرفين..
هذا هو الموقف الجدي ، لا يمكن الضغط تحت قاعدة نفط جنوب السودان (لانقاذ المحاصرين من المليشيا فى مصفاة الجيلى) و(السماح لهم بالبقاء لقصف المدنيين وترويع الامنين) وإعادة تشغيل المصفاة فى هذه الظروف..؟
ولن يكون بمقدور وزراء النفط التقرير بشأن محطة العيلفون بعد استيلاء المليشيا عليها وطرد العاملين منها ، أو توفير الامان لحركة العاملين على طول خط الانابيب ..
كل ذلك غير ممكن وخطوط التواصل والإسناد ممدودة بين قلواك وعبدالرحيم لبحث المخارج وإعادة الحياة فى شرايين المليشيا المنهكة.. مهما كان تآثير النفط على جنوب السودان ، فإن تاثير الحرب المدمرة على بلادنا أشد ضررا وأبعد أثرا..
(3)
وفق تقارير عالمية وخبراء فإن صادرات جنوب السودان النفطية بدأت في الانخفاض وسط الحرب في السودان والوضع في البحر الأحمر. وأشارت وكالة S&P Global Insights إلى أن الصادرات من محطة بشائر النفطية السودانية في البحر الأحمر بلغت أدنى مستوى لها منذ 11 شهرًا عند 79 ألف برميل يوميًا في فبراير. ويمثل صادر النفط 80% من موارد جنوب السودان وعمادها الاقتصادى ، وبدات تاثيرات الحرب منذ بداية هذا العام ، مع تراجع قيمة الجنيه وارتفاع السلع بنسبة 40% ..
وسيكون الوضع أكثر قتامة إذا تطاول الأمر ، ولذلك من الأفضل النظر الجاد إلى الفيل وليس ظله..
(4)
قضية ابيي وما تسرب عن وعود المليشيا بمنحها إلى جنوب السودان ليست النقطة الأكثر خطورة في هذا الموقف ، ومن المهم النظر إلى ما اشار له الأستاذ راشد عبدالرحيم وهو خبير فى قضايا الجنوب عن (دفع ابناء النوير إلى محرقة الحرب فى السودان لإستنزافهم) ، وإنما الخطورة فى تعريض علاقات بلدين جارين و شعبين إلى حالة عداء وجفوة وجدانية ستظل عالقة أمام عبر حقب التاريخ مقابل موازنات ظرفية ، ووقتية..
فالرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى هى الأصل فى علاقات الشعوب وليس عاديات الاحداث أو مغامرات المراهنين..
حفظ الله البلاد والعباد
ابراهيم الصديق علي
3 يونيو 2024م