في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها البلاد، بدأت ميليشيا آل دقلو بتفعيل استراتيجيات اقتصادية حيث اشهرت سلاح الاقتصاد وتهدف إلى الضغط على حكومة الجيش السوداني في بورتسودان وأيضا مصر وقامت بحظر تصدير البضائع إلى مصر ومناطق القوات المسلحة.
حيث أصدرت تهديدات بعدم السماح بخروج أي مركبات تحمل سلعاً أو محاصيل أو ماشية من الولاية، مما أدى إلى تدخل الإدارات الأهلية، ولكن دون التوصل إلى حلول فعالة حتى الآن.
وأفاد تاجر محاصيل من بورصة مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، أن ميليشيا آل دقلو قامت بمنع قوافل وعربات المحاصيل من التحرك، مستخدمة أساليب متعددة، بما في ذلك الاستيلاء على السيارات من السائقين، هذه الإجراءات أثرت بشكل كبير على حركة التجارة في المنطقة، مما زاد من حدة التوتر بين التجار والقوات.
رغم محاولات الوسطاء والتجار للتدخل وحل الأزمة، إلا أن الوضع لا يزال متأزماً، حيث يستمر الجدل حول المشهد التجاري في الولاية. يبدو أن ميليشيا آل دقلو مصممة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية، مما يثير القلق بين المواطنين والتجار على حد سواء.
أفاد تاجر آخر بأن ميليشيا آل دقلو قامت بإعادة شاحنات محملة بالفول السوداني قبل مغادرتها الولاية، مشيراً إلى أن السبب وراء ذلك هو عدم حصولها على التراخيص اللازمة أو تصديقات المرور المطلوبة.
انتشر على نطاق واسع بين السودانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي منشور يُنسب إلى ميليشيا آل دقلو، يوضح فيه قراراً بعدم السماح بمرور السلع والماشية والمعادن إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة.
وقد حدد المنشور أنواع السلع التي تشمل السمسم، الصمغ العربي، زيت الطعام، الدخن، الذرة، الذهب، والمعادن الأخرى.
يأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث يعاني الاقتصاد السوداني من تحديات كبيرة، مما يزيد من قلق التجار والمزارعين حول تأثير هذه الإجراءات على حركة التجارة والأسواق المحلية.
تعتمد ولايات دارفور بشكل رئيسي على السلع التي تأتي من الولاية الشمالية شمالاً، بالإضافة إلى ليبيا وجنوب السودان وتشاد.
تُباع في الأسواق أيضًا السلع التي سُرِقت من بعض الولايات التي اجتاحتها ميليشيا آل دقلو.
وفقاً لمصادر فإن الخلافات بين عناصر ميليشيا آل دقلو ازدادت بشكل كبير، وامتدت لتشمل المؤسسات التي تم تأسيسها في فترة حكمهم. حيث يسعى كل فصيل قبلي لإصدار قرارات اقتصادية تؤثر سلباً على المواطنين، لكنها تهدف في الوقت ذاته إلى تعزيز موقعه في السلطة الجديدة، وفقاً لمفهومهم الذي استمر طيلة الفترات الماضية.
لقد زاد الأمر سوءًا حيث انعدمت جميع الخدمات المقدمة للمواطنين بالكامل، فلا توجد كهرباء أو مياه شرب نظيفة أو خدمات اتصالات، وأصبحت مدن ولايات دارفور تعاني من ظلام دامس، وتدهورت الأوضاع الصحية بشكل كبير، مما جعل الاعتماد على الأعشاب في العلاج شائعًا.
ميليشيا آل دقلو بعد أن قطعت الاتصالات، استخدمت شبكة “ستار لنك” اللاسلكية كبديل، وأصبح أفرادها يتحكمون في مواقع الاتصال محتلين الأسعار المرتفعة ويفرضون رقابة صارمة على مكالمات المواطنين.
يقول الاقتصاديون إن دمج الاقتصاد في معادلة الحرب وتطبيق نظام إداري جديد يعكس رسالة من ميليشيا آل دقلو بعد خسائرها العسكرية الكبيرة مؤخراً، إلى القوات المسلحة ودولة الجوار مصر، مفادها أنها لا تزال تملك بعض الأوراق، وأن الحرب لن تقتصر فقط على المواجهات العسكرية.
وحذرت ميليشيا آل دقلو السودانية الحكومة المصرية وأجهزتها من “التدخل السافر” في الشؤون السودانية من خلال دعمها للجيش السوداني، وهو ما كانت القاهرة قد نفت حدوثه في وقت سابق.
اتهم المتحدث باسم ميليشيا آل دقلو في بيان نُشر على منصة “إكس” مساء الجمعة، السلطات المصرية بأنها كانت “شريكاً أساسياً” في إشعال الحرب المستمرة منذ أكثر من عام بين هذه القوات والجيش السوداني، الذي وصفه البيان بأنه “مخطوف من قبل الحركة الإسلامية”، كما اتهمها بعرقلة الجهود التي تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار.
يقول الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الوهاب جمعة: “ما يطرحه ميليشيا آل دقلو غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، إذ إن ولايات دارفور وكردفان تعد من المناطق المنتجة للسلع وهي تحت سيطرتهم، لذا فإن الآثار السلبية ستصيبهم أولاً وبشكل أكبر من تأثيرها على الدول المجاورة لا سيما مصر”.
وأضاف: “بناءً على هذا المنطق، إذا تأثر منتجو السلع واللحوم، فمن المؤكد أن المناطق التي يسيطرون عليها ستتضرر”.
يعتبر جمعة أن مصر كانت بمثابة ملاذ للمنتجين خلال العام الماضي، حيث استوعبت العديد من الصادرات السودانية وساعدت الكثيرين على الخروج من دائرة الإفلاس وانعدام التسويق، إذ أصبحت شريان حياة لهم.
في المقابل، أشار الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان إلى أن “هذا التوجه من ميليشيا آل دقلو يؤثر بشكل حقيقي على صادرات الماشية والصمغ العربي والفول والسمسم بنسب مختلفة إذا استمرت سيطرتهم على إقليم دارفور. ولكن الواقع يشير إلى أن الحرب نفسها تقترب من نهايتها، خاصة بعد تصريحات محمد حمدان دقلو (حميدتي) حول دعمه للمصالحة غير الانتقامية، وبشكل عام أصبح الجو مهيأً لإنهاء الصراع”.
أضاف أن “معظم إنتاج السمسم يأتي من مناطق القضارف والنيل الأزرق وسنار، وهي مناطق ليست تحت سيطرة ميليشيا آل دقلو، بينما يتم إنتاج أغلب الأغنام خارج دارفور. إلا أن الضرر الأكبر يقع على صادرات الفول السوداني. كما يحتاج الصمغ العربي إلى ثلاثة أشهر لتصل إلى مرحلة الحصاد، مما يجعل من الصعب التنبؤ بتأثر أي منتج آخر سوى الفول السوداني”.