
بعد صمود تاريخي في مواجهة حرب متعددة الأطراف أظهر السودان قدرة استثنائية في مقاومة التحديات العسكرية والأمنية خاصة في ظل الدعم الإقليمي والدولي الذي حظيت به قوات التمرد ممثلة في مليشيا الدعم السريع. وبرغم ذلك برز الجيش السوداني ومعه الشعب بثباته ومقاومته كعامل حاسم في تغيير معادلة الصراع سواء على المستوى الميداني أو السياسي الدولي. وقد تمثل ذلك في التحركات القانونية والسياسية للحكومة السودانية وعلى رأسها تقديم شكوى رسمية ضد دولة الإمارات لدى محكمة العدل الدولية حيث استطاع وفد السودان تقديم أدلة قوية تعكس حجم التدخل والدعم الخارجي للمليشيا بينما عجز الطرف الآخر عن تقديم رد مقنع.
ومع تباشير النصر وبداية انحسار التهديد الأمني يبرز أمام السودان تحدٍ أعظم يتمثل في التحول من الحرب إلى البناء وإعداد رؤية استراتيجية شاملة لمرحلة ما بعد الحرب تعيد للسودان عافيته وتضعه في المسار الصحيح إقليميًا ودوليًا. ويمكن تلخيص أهم المطلوبات في المرحلة المقبلة في إعادة بناء الأمن القومي حيث شهد السودان تجربة عسكرية فريدة في حربه مع المليشيات أظهرت قدرات تكتيكية وتخطيطًا عسكريًا متقدمًا رغم فارق الدعم والتسليح. من هنا ينبغي توظيف هذه التجربة لبناء عقيدة أمن قومي حديثة ترتكز على تطوير المؤسسات الأمنية والعسكرية. والتنسيق الإقليمي والدولي بما يخدم المصالح المشتركة ويحترم السيادة الوطنية. وتعزيز القدرات الاستخباراتية لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
إطلاق تنمية اقتصادية شاملة وعادلة لا يمكن الحديث عن استقرار دون تنمية لذا يجب تبني خطة اقتصادية وطنية ترتكز على تحقيق توازن تنموي بين الأقاليم المختلفة. وجذب الاستثمارات الإقليمية والدولية وفق قواعد الشفافية والعدالة. واستثمار موارد السودان الطبيعية والزراعية والمعدنية لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي.
بناء نظام سياسي توافقي وعادل التجربة السودانية أثبتت أن الأنظمة السياسية المتعاقبة فشلت في خلق عقد اجتماعي جامع لذا لا بد من تأسيس نظام سياسي ديمقراطي توافقي يعكس تطلعات كل مكونات الشعب. وإعادة هيكلة الدولة بما يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة. وفتح المجال السياسي أمام الكفاءات الوطنية المستقلة وغير الحزبية.
العودة الإقليمية والدولية للسودان من المتوقع أن يستعيد السودان مكانته الطبيعية على المستويين الإقليمي والدولي خاصة بعد انكشاف أدوار بعض الدول في زعزعة استقراره ويتطلب ذلك تعزيز الدبلوماسية السودانية على أسس المصالح المتبادلة. والانفتاح على العالم بمواقف ثابتة تحترم السيادة والاستقلال. والمساهمة الفاعلة في المنظمات الإقليمية والدولية.
فإن ما بعد الحرب في السودان ليس مجرد نهاية لصراع مسلح بل هو بداية لمسار تاريخي نحو بناء دولة قوية، عادلة، وآمنة. ويتوقف ذلك على وعي القيادات، وحدة الشعب، والدروس المستفادة من تجربة الحرب.
🖋️عبدالمنان ابكرعمر
12/4/2025