مقالات رأي

عبد المنان أبكر عمر يكتب: السودان بين الحسم العسكري والتقدم الدبلوماسي

بعد الهزيمة الساحقة التي مُنيت بها مليشيا الدعم السريع في وسط السودان وانسحابها من الخرطوم وفرارها نحو إقليم دارفور اتخذت القوات المسلحة السودانية مسارًا جديدًا في إدارة العمليات العسكرية ما أثار جدلاً واسعًا في أوساط الرأي العام السوداني خصوصًا في منصات التواصل الاجتماعي التي أظهرت حالة من القلق إزاء بطء التحركات الظاهري. لكن الواقع الميداني يكشف عن تحول نوعي في العقيدة القتالية للجيش السوداني مبني على خطط وتكتيكات عسكرية غير تقليدية.
في تطور لافت عمد الجيش السوداني إلى تغيير تكتيكاته التقليدية نحو عمليات أكثر دقة وتخطيطًا. في محور كردفان تحركت القوات المسلحة بصمت وانضباط عالٍ ما أدى إلى تحرير واسع للمناطق التي كانت تحت سيطرة المليشيا دون خسائر تُذكر. هذا التقدم أسفر عن انهيار كبير في صفوف مليشيا الدعم السريع حيث فرّت قياداتهم الاجتماعية (ادارة الاهلية) إلى خارج البلادوتحديدًا إلى جنوب السودان وتشاد في ظل انعدام الثقة بإمكانية الصمود أمام التقدم المنظم للقوات المسلحة.
أما في محور دارفور فشهدت المعارك تطورات حاسمة. رغم الدعم اللوجستي والعسكري المقدم من دولة الإمارات لمليشيا الدعم السريع في محاولتها إسقاط مدينة الفاشر إلا أن الجيش السوداني مدعومًا بالقوات المشتركة تمكن من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات المهاجمة. القائد الثاني للمليشيا عبد الرحيم دقلو تفاجأ بالهزيمة وبتدمير قواته ومعداته القتالية في هجومه الاخير لمدينة الفاشر وفشل في استدعاء الدعم من قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو ما اضطره للفرار نحو غرب السودان بعد عجزه عن تحريك الحواضن القبلية.
وعلى صعيد آخر وفي محور الصحراء تم تدمير كامل القوة العسكرية القادمة من ليبيا فور دخولها الأراضي السودانية في عملية استخباراتية دقيقة دون أن يعلن الجيش تحركًا علنيًا مما يؤكد تطور قدرات الرصد والسيطرة والتخطيط النوعي للقوات المسلحة.
لم يقتصر التقدم الجيش السوداني على الميدان العسكري بل امتد ليشمل الساحة الدولية حيث استطاعت الحكومة السودانية تقديم شكوى رسمية ضد دولة الإمارات في محكمة العدل الدولية متهمةً إياها بدعم ومساعدة مليشيا متمردة ارتكبت جرائم الابادة الجماعية و تقوض أمن واستقرار دولة ذات سيادة.
وفي جلسة الاستماع الأولى قدمت السودان مرافعة قانونية قوية تعكس خبرة وفهمًا عميقًا للقانون الدولي ما وضع الإمارات في موقف حرج إذ لم تستطع الرد قانونيًا على ما طُرح. هذا التقدم القانوني ترافق مع تحركات موازية نحو المحكمة الجنائية الدولية والتي بدأت في دراسة ملفات ودعاوي مرفوعة ضد قيادات مليشيا الدعم السريع وقيادات قحت ودويلة الامارات راعي المليشيا آل دقلو المتمردة مما ينذر بتطورات قانونية دولية قد تؤثر على أطراف إقليمية متورطة في الصراع.
إعلاميًا أظهر السودان قدرة فائقة على تنظيم حملات إعلامية ممنهجة في الفضاء الرقمي ساهمت في فضح الدعم الخارجي للمليشيا ورغم امتلاك الإمارات لآلة إعلامية ضخمة إلا أن الرواية السودانية وجدت صدى واسعًا داخل وخارج البلاد ما عزز من موقع السودان الأخلاقي في معركته المصيرية.
ميدانيا مع الانهيار المتسارع لقوات مليشيا الدعم السريع في دارفور وفشل الحواضن الاجتماعية في تأمين غطاء شعبي لها يبدو أن السودان يتجه نحو حسم عسكري تدريجي وليس سريعا قائم على استنزاف الخصم وتفكيك قدراته من الداخل.
دبلوماسيا التقدم في أروقة العدالة الدولية يُمهّد لعزلة قانونية وأخلاقية للمليشيا والداعمين الإقليميين لها ما سيزيد من الضغط الدولي عليهم.
اعلاميا السردية السودانية الرسمية تتعزز مع كل نصر ميداني وستلعب دورًا محوريًا في حشد الدعم الشعبي والدولي خلال المرحلة المقبلة.
إن السودان اليوم يقود معركة الكرامة على جبهتين في الميدان عبر عقيدة قتالية جديدة وفي المنصات الدولية عبر أدوات القانون والإعلام. وإن كان الحسم العسكري يبدو أقرب من أي وقت مضى فإن مآلات الحرب تعتمد أيضًا على قدرة السودان في الحفاظ على هذا الزخم السياسي والعسكري والدبلوماسي حتى تحرير كامل ترابه وبسط سيادته.

🖋️عبدالمنان ابكرعمر
24/4/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى