مدونة سما

عادل الباز يكتب: أوروبا تصحو على وقع الإبادة (2-2)


1
في الحلقة الماضية استعرضت الجهود التي قامت بها أوروبا للتغطية على جرائم التمرد والمواقف السياسية الداعمة له، وتساءلت لماذا تسارع أوروبا الآن بإصدار الإدانات للجنجويد.. ولماذا تسعى لتعديل موقفها؟
2
في بداية الحرب، كان الأوروبيون يأملون في انتصار سريع للمتمردين وحلفائهم، ففي تصريحاتهم المخادعة أشادوا بدور قوات الدعم السريع في مكافحة الهجرة إلى أوروبا، رغم أنه برنامج دولة، والدعم السريع قوات كانت في إطار الدولة. هذا السيناريو فشل وسقط، ولم يستطع التمرد بالرغم مما توفر له من دعم مالي وعسكري وإقليمي ودولي، وإسناد سياسي داخلي وخارجي، فشل في استلام السلطة.
3
السبب الثاني.. الميديا الغربية كشفت للعالم حقيقة ميليشيات الجنجويد وطبيعتها الدموية، فهي لا تعيش إلا في برك الدماء. الصحافة الغربية لديها معرفة عميقة بالكوارث التي ارتكبها الجنجويد أثناء حروبهم المتعددة في دارفور، ومنذ زمن بعيد. ولكنها آثرت في البداية غض الطرف عنهم، ولكن الآن لا يمكن أن تغمض عينيها عن الإبادة، والصور والفيديوهات تملأ الشاشات و الأسافير. يكفيها من الخزي أن تغمض عيناً واحدة عن إبادة الغزيين!

أحصيت أكثر من عشرة تقارير في كل من الغارديان والواشنطن بوست والنيويورك تايمز خلال أسبوعين وكلها تدين الجنجويد وتفضح فظائعهم إضافة لتقرير السي إن إن الذي كشفت فيه نعمة الباقر – الصحفية المميزة في القناة – ما تنطوي عليه هذه الميليشيات المجرمة من شهوة في القتل وسفك الدماء، مما صدم الرأي العام الأوروبي والأمريكي، مجلة الإيكومونست الأسبوع الماضي صنّفت ميليشيا الدعم السريع بأنها (منظمة متخصصة في الإبادة الجماعية)، هكذا بدأت الأصوات تتعالى لمنع مواصلة حملة الإبادة للأفارقة، ومن هنا بدأت استفاقة الساسة الأوروبيين، وهم يرتجفون الآن خوفاً من اتهامهم بدعم منظمة متخصصة في الإبادة!
4
سبب ثالث، هو بيانات الإدانة التي أصدرتها منظمات الأمم المتحدة داخل السودان وكلها تدين جرائم الجنجويد، تلك المنظمات أدركت الحقيقة بعد أن نُهبت وحُرقت ممتلكاتها، بل وقُتل منسوبيها.. أمس الأول أعلنت الأمم المتحدة أن مقرها بالضعين قد تم الاعتداء عليه ونهبه.
5
السبب الرابع الذي دفع الدول الأوروبية لتغيير موقفها هو تيقنها بأن الميليشيات المتمردة مهما توهمت أنها حققت انتصارات مؤقته فإنها أعجز من أن تُسيطر على الدولة، فالمدن التي سيطرت عليها الآن سكنها الخراب وليس بها سوى الموت والخوف والرعب، وأغلبها هجرها أهلها إنْ لم يكن قد قُتلوا أو أبيدوا كما حدث في الجنينة وأردمتا بدارفور.
6
حين أدرك الغربيون طبيعة الجنجويد، عرفوا أن خطراً محدقاً ودائماً ينتظر العالم كله، وليس السودان فحسب، إذا سيطر الجنجويد على السلطة. قالت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي في حديثها عن أهمية السودان (بالنسبة للاتحاد الأوروبي، السودان دولة محورية، تصل بين الساحل والبحر الأحمر، وبين ليبيا والقرن الأفريقي، كما أن الأمن البحري في البحر الأحمر أمر أساسي للتجارة الأوروبية.) 13% من التجارة العالمية تمر بالبحر الأحمر.
7
التغيير الذي طرأ مؤخراً في الساحة الإفريقية بتغيير بعض الدول المهمة لمواقفها من الحرب الدائرة والتوقف عن دعم التمرد سياسياً، كان سبباً آخر في تعديل الموقف الأوروبي. فبعد دعوة الرئيس البرهان خلال هذا الشهر الحالي إلى كل من كينيا وإثيوبيا اللتين كانت تنكران رئاسته وتشيران إلى فراغ في القيادة بالسودان، كما عبّر آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، جرى تحول في الموقف الأفريقي. وتجري الآن ترتيبات لدعوة منظمة الإيغاد الإقليمية للتشاور حول الوضع في السودان من جديد. تغيير الموقف الإفريقي أحد العوامل التي أثرت وستؤثر في الموقف الأوروبي.
8
هناك متغير بالغ الأهمية وهو أن المنظمات الدولية والحقوقية خاصة، بدأت تصدر يومياً بيانات تدين فيها الإبادة التي يقوم بها الجنجويد للعناصر الأفريقية في دارفور (المساليت نموذجاً).
الساسة الأوروبيون يخافون من دعمهم أو ارتباطهم أو ارتباط أحزابهم بأي منظمة تطالها مثل هذه الاتهامات، حتى لو إعلامياً. ستكون مهمة لجنة تقصي الحقائق التي كونها مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخراً فى غاية الأهمية ولا مجال لتزييف الحقائق هذه المرة، مهما كانت النوايا والتآمر، إذ لم تترك الوسائط مجالاً للتزييف وخاصة أن كل الانتهاكات والجرائم قد تم رصدها وتوثيقها وتسجيلها بأيدي المجرمين أنفسهم
9
هذه هي العوامل التي جعلت أوروبا تُعيد النظر في موقفها من الحرب في السودان بعد أن أدركت الطبيعة الدموية الهمجية للتمرد، وأصغت للرأي العام العالمي الناهض ضد ممارسات الجنجويد، والذي قادته الصحافة هناك، وكشفت له جرائم القتل والاغتصاب والنهب التي يدمنها المتمردون، وأخيراً بيع النساء المختطفات في أسواق النخاسة الجديدة التي افتتحوها في المدن التي سيطروا عليها.

10
كلمة أخيرة، أهمس بها في أذن الدبلوماسية السودانية التي حققت نجاحات مشهودة في الفترة الأخيرة، وهي أن الاجتماع المقبل في 11 ديسمبر لمجلس الكتلة للشؤون الخارجية لأوروبا ببروكسل سيكون حاسماً في تشكيل الرؤية الأوروبية تجاه الحرب في السودان، وعليه أدعو لقيادة حملة دبلوماسية واعية ومخطط لها في دول الاتحاد الأوروبي بالضغط الإعلامي والدبلوماسي لحسم الموقف الأوروبي لصالح حكومة السودان بشكل واضح واتخاذ نفس الخطوة قبل اجتماع الإيغاد في جيبوتي الشهر المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى