
لم تمضِ سوى أسابيع على ارتباك النظام الإماراتي في خضم أزمات متلاحقة نالت من سمعته الدولية يمينا ويسارا بفعل جرائمه في السودان وليبيا، حتى تلقّى ضربة مدوّية من قلب أوروبا: فضيحة تجسّس وتشهير سياسي تديرها أبوظبي من وراء البحار، بتمويل مباشر من صندوق محمد بن زايد وبأياد فرنسية قبلت الرشاوى والمال القذر.
التحقيق الذي تفجّر في باريس كشف أن جهاز TRACFIN الفرنسي (المعني بمكافحة غسيل الأموال) تلقّى تعليمات سرّية خلال زيارة مشبوهة إلى دبي عام 2023، التقى خلالها مسؤولين إماراتيين، وانتهى بإعداد ملف مزوّر ضد النائب الفرنسي كارلوس بيلونغو، فقط لأنه انتقد نظام أبوظبي.
الملف نُشر في وسائل إعلام كبرى، فحوّل الرجل إلى متّهم، ورفضت الصحف التي اشتراها المال الإماراتي أن تمنح الرجل حق الرد، لكن بعد ذلك القضاء الفرنسي برّأه بالكامل بعد أن تبيّن أن الوثائق مزوّرة ومصدرها دائرة ظل تابعة للقصر الإماراتي.
هذه الفضيحة ليست الأولى، بل تُضاف إلى سجلٍّ أسود لمحمد بن زايد في أوروبا: محاولات متكرّرة لشراء الذمم، تمويل دراساتٍ مزيفة لتلميع صورته، وتجنيد إعلاميين وأكاديميين لنشر دعاية القصر تحت غطاء “التعاون الثقافي”.
في القصر كانت الصدمة عنيفة:
- بن زايد انفجر غضبًا حين بلغه الخبر؛ لدرجة أنه ضرب الطاولة وصرخ في عبد الله بن زايد وطحنون.
- أمر بتعطيل الاتصالات في جناح “المعلومات الخاصة”، وفتح تحقيق داخلي مع فريق العلاقات الخارجية.
- استدعى رئيس جهاز العلاقات السرّية وأمره بإنشاء “خطة طوارئ إعلامية” تشمل إطلاق موجة مقالاتٍ مضادة تتحدّث عن “الغيرة من نجاح الإمارات” و”المؤامرات الخارجية”.
- طلب إعداد تقرير يوميّ عن كل ما يُقال في إعلام فرنسا، وحظَر على مستشاريه السفر إلا بتصريحٍ مباشر.
ورغم هذا الاستنفار، يدرك بن زايد في أعماقه أن الأزمة أعمق من أن تُغطّى.
الفرنسيون الذين استخدمهم اليوم كدرعٍ إعلامي يعلمون أنّهم أول من سيقدّمه قربانًا عندما تتعاظم الفضيحة.
وكلّما أنكر، ازدادت الوثائق التي تُشير إليه وضوحًا.
الشارع الفرنسي يتداول الآن أن “الملف القادم” قد يتضمّن تسجيلاتٍ واتفاقاتٍ سرّية، وأنّ ما خرج للعلن ليس سوى رأس جبل الجليد.
وبينما يحاول القصر ضبط المشهد، تتسع دائرة الشك داخله؛ فبن زايد صار لا يثق بأحد، ولا ينام إلا بين تقارير المخابر ونشرات الرصد.
هذه هي الصفعة الجديدة… ليست في فحواها فقط، بل في ما أثارته من خوفٍ داخل جدران القصر: الخوف من اليوم الذي يفقد فيه محمد بن زايد غطاء الحلفاء الأوروبيين، فيجد نفسه مكشوفًا أمام قضاء فرنسا والعالم معًا.