* من أعجب عجائب هذه الحرب أن يطرح متمردو الدعم السريع (ومناصروهم) خياراتٍ ما أنزل الله بها من سلطان على أهل السودان.. فهم يقولون لهم ببساطة (نحن سنحتل ُمدنكم، ونقتل ونعتقل أهلكم، ونطردكم من منازلكم، ونستولي عليها ونقيم فيها وننهب محتوياتها، ونأخذ أموالكم وحُلي نسائكم وسياراتكم وكل ممتلكاتكم غنيمةً باردة، ونحتل مستشفياتكم ومدارسكم وجامعاتكم ومراكز خدماتكم وننهب كل محتوياتها، ونحرمكم من العلاج والماء والكهرباء، ونفقدكم أمنكم ونحيل طمأنينتكم رعباً، وسلامكم خوفا، ونحيلكم إلى لاجئين ومشردين ونازحين.. مقابل تخليصكم من الفلول والكيزان)!!
* هل هناك عاقل مُنصف يمكن أن يقبل تلكم القسمة الضيزى؟
* بل هل هناك شخص يمتلك ذرةً من العقل يمكن أن يستسيغ تلك الفكرة الموغلة في السذاجة والبلاهة والغباء المستحكم؟ أن تسلب الناس كل شيء وتقتلهم وتشردهم وتفقرهم وتروعهم مقابل أن تدرأ عنهم عدواً متوهماً أسقطه السودانيون من دون أن يطلقوا عليه رصاصةً واحدة؟
* سقطت تلكم القسمة البلهاء في أولى أيام الحرب عندما انقض أوباش الدعم السريع على المغدور خميس أبكر والي ولاية غرب دارفور، وقتلوه شر قتلة، ومثلوا بجثمانه، وداسوا عليه بسياراتهم، ورموه لنسائهم وبعض سفهائهم كي يرجموا جثمانه الممزق بالحجارة، قبل أن يربطوا ساقيه بشجرة ويعلقوه فيها، بمشهدٍ دموي متوحش، تحار العقول في دوافعه ومسبباته.
* ارتكبوا تلكم الجريمة المنكرة في حق خميس أبكر رحمة الله عليه مع أنه كان حليفاً لهم، مُوقّعاً معهم على الاتفاق الإطاري، ثم انثنوا على أهله المنكوبين في قبيلة المساليت، فوقعوا فيهم قتلاً للرجال والشيوخ والأطفال، وسبياً للنساء واغتصاباً لهن، وحرقاً للمنازل والجثث، في واحدة من أبشع جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية في التاريخ الحديث.
* التصقت تلكم الانتهاكات بمرتزقة الدعم السريع والمليشيات المناصرة لها مثلما ثبتت على الراحتين الأصابع، وصاحبتها في حلها وترحالها، وانتقلت معها إلى عاصمة البلاد، وإلى أردمتا ومستري وطويلة وزالنجي ونيالا وكُتم وكاس والنهود وأم روابة والأبيض وبارا وتُلُس ورهيد البردي وسيرقيلا وبُرام ومركندي وعِد الفرسان وعديلة وأبو كارنكا وشعيرية والدلنج، ثم ارتحلت نحو مدن وقرى وحلال ولاية الجزيرة، أرض المحنَّة.. سُرَّة السودان وقلبه النابض، فدخلوا قرى شرق النيل وغزوا المسيد وبُتري وود لميد وألتي والتكلة والمسعودية وأب قوتة والشبارقة وود رعية والرِبع والمسلمية والهلالية وبرنكو والعسيلات والمعيلق، ولم يستثنوا العيلفون والقطينة وجبل أولياء ورفاعة والحصاحيصا والكاملين وفداسي وحنتوب وود الحداد والحاج عبد الله وغيرها.
* ما دخل مغول العصر الحديث مدينةً أو قريةً أو حِلَّة إلا صاحبهم الرعب، ورافقهم الموت، وآنسهم السلب والنهب واغتصاب الحرائر وتدمير البنيات الأساسية وحرمان الناس من كل الخدمات، ليحيلوا نهارهم ليلاً، وأمنهم خوفاً، وطمأنينتهم رعباً.. وكذلك يفعلون، لذلك كان طبيعياً أن يفر منهم الناس فرار الصحيح من الأجرب والمجذوم، وأن يصبح النزوح واللجوء ديدن كل من ابتلاهم المولى عز وجل بهؤلاء القتلة القساة، النهابين السارقين المغتصبين الذين يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بانتهاكاتهم ويصورونها بهواتفهم الجوالة، وهم يتضاحكون بوجوهٍ قميئة، تشبه طلع الشياطين.
* من محاسن الجرائم المروعة والانتهاكات القميئة التي ارتكبها هؤلاء المرتزقة الملاعين في الجزيرة (إن صحّ التعبير) أنها استعصت على التبرير، واستحالت على التفسير، فصعُب على مساندي المليشيا الدفاع عنها أو مجرد تفسيرها، مع أنهم أنهكوا أنفسهم سعياً للتغطية على الجرائم المروعة التي يرتكبها جناحهم العسكري في كل مكان تصل إليه بنادقه الآثمة وأياديه المجرمة ووجوهه الكالحة.
* الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها متمردو القتل السريع في ولاية الجزيرة تحديداً كانت مبثوثة على الهواء مباشرةً في كل وسائل التواصل الاجتماعي، قتلاً وترويعاً واغتصاباً ونهباً وسلباً ونزوحاً وإفقاراً وتدميراً للبنيات الأساسية والنسيج الاجتماعي لأكبر ولايات السودان وأوفرها اكتظاظاً بالسكان، لتسقط بتلك الانتهاكات المروعة كل دعاوى المدنية والحرية والديمقراطية وهرطقات محاربة الفلول الكذوبة، لأن من انتاشتهم سهام الجنجويد ليسوا من الفلول، ولا صِلة لهم بالكيزان، ولا دخل لهم بالسياسة أصلاً.
* أعجب العجائب أن أدعياء الحياد الكذوب استمروا في التغاضي عن تلك الجرائم المروعة، وسدروا في غيهم، واستمرأت خيانتهم وخيابتهم، ليطالبوا أهل الجزيرة المنكوبين بالتعايش مع قتلتهم ومغتصبي نسائهم وناهبي أملاكهم ومروعي أطفالهم، بأغرب وأحطّ موقف، وأحقر مطالبة!
* سقط المشروع الإجرامي الملوث سقوطاً مريعاً بسبب كثرة جرائمه ووفرة انتهاكاته، إذ كيف يمكن للقائمين عليه أن يحكموا شعباً يئن بسببهم، ويتعذب بأمرهم، ويفر منهم ويمقت كل ما يتصل بهم؟
* حصد الدعم الصريع هزيمةً مروعة في ولاية الجزيرة حتى بعد أن احتلها، لأنه أثبت فيها بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمتلك مقومات الحياة، ويفتقر إلى كل مشروعية أخلاقية يمكن أن تؤهله للبقاء، ناهيك عن المشاركة في حكم البلاد.. وبالتالي سيكون الفناء والرفض الشعبي العارم مصير أي محاولة تستهدف إعادته إلى المشهد السياسي والعسكري في سودان ما بعد الحرب، لأن أهل السودان سيتعاملون مع كل من يسعى لفرض هؤلاء القتلة عليهم وكأنه منهم.. يتساوى معهم في إجرامهم وبغيهم وجورهم وقبحهم وانتهاكاتهم.
* لا مجال للتصالح مع القتلة ومغتصبي النساء ومرتزقة السرقة والنهب والسلب والترويع.. لأن شعب السودان الحُر الأبي لن يعفو ولن يغفر ولن يستسلم.. ولن يصالح البغاة.. ولو منحوه الذهب!