2 أكتوبر 2024م
ساعة الرمل:
وساعة الرمل هنا تشبيه لحركة الجيش وهو يعبر الجسور الثلاث (الحلفايا وكبري السلاح الطبي وكبري الفتيحاب إلى الخرطوم وينفتح شرقها ليفتح نفاجا تتقدم منه القوات الرابضة في كرري والمهندسين إلى مدينتي بحري والخرطوم. كلما تقدم الزمن كلما زاد عدد القوات شرقا مثل حركة الرمل من الزجاجة الأعلى إلى الأدنى. وساعة الرمل هنا غير قلعة الرمل التي انهارت في أغسطس 2023م وتكسرت فيها نصال المليشيا على أسوار المدرعات والمهندسين والقيادة وسلاح الإشارة والكدرو وحطاب وهي تحاول جاهدة السيطرة على الخرطوم الهدف الاستراتيجي للحرب نفسها. بعد انهيار قلعة الرمل يئست المليشيا من اسقاط الخرطوم من داخلها فخرجت مندفعة للانتشار في دارفور وجنوبا إلى ولاية الجزيرة وسنجة والدندر والسوكي بسرعة ظن الناس معها أن المليشيا ستجتاح ولايات الشرق ووقف قادة المليشيا منتشين بالنصر يهددون ولاية نهر النيل ويتوعدون بتناول التمر من نخيل الشمالية.
تأخر الجيش في التحرك الشامل كثيرا وبدا كأنه غير قادر على الحركة والمليشيا تنتشر انتشار الجراد (بعد الاستعواض الكبير في الأفراد الذي جاءها من النهابة والمرتزقة من خارج الحدود) لا يردعها رادع من نهب الامنين وترويعهم وقتلهم بدم بارد واغتصاب النساء واختطاف المئات منهن. لكن رغم الانتشار الواسع للمليشيا فان الجيش ظل محتفظا بقوته الصلبة وبدأ في الإعداد الجاد وبصبر حثيث في التدريب والتأهيل استعداد لعمليات شاملة قادرة على اجتثاث التمرد واحباط كل مؤامرات الدولة الراعية له. وكانت ذروة التدريب ليس فقط في الالاف المؤلفة من الجنود وجنود القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب والاحتياطي المركزي وقوات حركات الكفاح المسلح وقوات المستنفرين في المقاومة الشعبية وحدها بل ظهرت في تخريج الدفعات 68 من الكلية الحربية و20 و23 من التأهيلية والكلية الجوية والأكاديمية البحرية.
قبل أن ندلف إلى تحليل ما قام به الجيش السوداني في عبور الجسور سنعرج قليلا على حرب فيتنام تلك التي كانت الولايات المتحدة تظن أنها ستخوض فيها حربا سهلة. في العام 1975م وقف العقيد هاري سمرز رئيس الوفد التفاوضي الأميركي في “الفريق العسكري المشترك الرباعي المشكل من أطراف حرب فيتنام الطويلة الأربعة: فيتنام الشمالية، وفيتنام الجنوبية، والفيت كونغ، والولايات المتحدة الأمريكية” غير مصدق كيفية انتهاء العملية العسكرية الأميركية التي استمرت لأكثر من عقد، بمشاركة أكثر من مليونين ونصف من الجنود الأميركيين المسلحين بكل ما يمكن استخدامه من أسلحة، بتكلفة تقدر اليوم بترليون دولار تقريبا. لقد كان الأداء الأمريكي خلال الحرب لوجستيا وتكتيكيا بأفضل ما يمكن، وارتكبت كل الفظائع المرعبة التي كان المفترض ان تقذف الرعب في قلوب الجيش الفيتنامي. وقد انتصرت القوات الامريكية في كل معركة ميدانية خاضتها. وفي النهاية كانت هزيمتها مدوية وما زال مشهد الهليكوبتر الأمريكي في سايجون وسلمه المدلى والالاف من الفيتناميين الذين قاتلوا معه يحاولون الصعود والهروب من طوفان الجيش الفيتنامي القادم نحوهم أيقونة في أذهان من عاصروا تلك الحرب.
الجنرال جياب من الجيش الفيتنامي شرح الاستراتيجية الفيتنامية التي كسبوا بها الحرب رغم خسارة العديد من المعارك. يقول: (لقد اعتمدنا على إطالة أمد الحرب وتغلبنا على الهزائم وعلى ضعفنا المادي وعملنا على تحويل ضعفنا إلى قوة والمحافظة على قواتنا وزيادتها. لقد هاجمنا حيث لاحت بشائر النصر وتجنبنا الصدام كلما كانت الخسائر المحتملة كبيرة).
في مقال سابق ذكرنا أن معسكرات الجيش الرئيسية في كرري والمهندسين والذخيرة والمدرعات وفي الكدرو وحطاب وفي الإشارة والقيادة العام بالإضافة لبعض المعسكرات مثل المظلات في شمبات وغيرها من التي تسلمها الدعم السريع قبل الحرب. قلنا ان هذا التصميم يجعل شكل المعسكرات مثل النسر المنقض يحمي الخرطوم من أي خطر يمكن أن يداهمها. وبالرغم من أن المليشيا كانت في العمق الاستراتيجي للدولة ومن داخل الخرطوم إلا ان فشلها في احتلال المعسكرات المذكورة تركها عاجزة عن تحقيق تغيير استراتيجي في مجرى العمليات. وقد كان خروجها وانتشارها خارج الخرطوم سلوكا تعويضيا للفشل الذي تجرعته في الخرطوم كما كان خطا استراتيجي بسبب عجزها عن اجتياح كل السودان، وتحول انتشارها الذي لم تحقق معه أي سيطرة فعلية إلى نواة لهزيمتها المحققة حال التزم الجيش استراتيجية مدروسة ومتأنية.
أسهل طريقة لتعليم الأطفال الرسم هي بتحديد نقاط يقومون بعدها بتمرير القلم من نقطة إلى أخرى ليظهر شكل الرسمة النهائي. بمجرد عبور الجسور الثلاث شرقا اتضحت خطوط الرسم ليتحرك جيش كرري ويلتقي بجيش الكدرو ثم حطاب وينفتح نفاج ساعة الرمل ليتدفق الجنود نحو بحري. ورغم المقاومة بسبب تحول المليشيا الى سيناريو داعش في الموصل الا ان خطوط الرسم قد اقتربت من سلاح الإشارة ثم القيادة بينما حطاب تتجه خطوط رسمه شمالا نحو المصفاة وجنوبا نحو العيلفون بينما تمتد المدرعات كذلك جنوبا وشمالا مع قوات كبري الفتيحاب وكبري السلاح الطبي وكلها تلتقي بخطوط الرسم من القيادة العامة. المصفاة رغم أهميتها الاستراتيجية مع التصنيع الحربي إلى أن الجيش فعليا يحتاج أكثر أن تمتد خطوط رسمه لتتواصل الفرقة الثالثة شندي مع القيادة مرورا بسلاح الإشارة. الجيش الان لا يحتاج لوقود المصفاة في هذه المعركة ولا للتصنيع الحربي فقد اكتملت جاهزية التسليح تماما.
لك أن تتخيل شكل الرسم اذا اكتملت خطوطه وبعدها يمكن أن تكبر الصورة لتشمل مدني وسنجة وسنار وربك والأبيض والدلنج وكادقلي. أما الفاشر والجنينة ونيالا والضعين فتلك رسمة سنحكي خطوطها في المقال القادم.
541 3 دقائق