قالت صحيفة غارديان إن وزارة الخارجية البريطانية تجري محادثات سرية مع ميليشيا “الدعم السريع” السودانية التي تخوض قتالا شرسا مع الجيش السوداني منذ أكثر من عام، وتواجه اتهامات بارتكاب تطهير عرقي وجرائم حرب.
وأفادت الصحيفة البريطانية -في تقرير نشرته أول أمس الاثنين- بأن مسؤولين بوزارة الخارجية البريطانية، لم تحدد مستواهم، يقودون تلك المحادثات مع ميليشيا الدعم السريع، في حين دانت جماعات حقوقية تلك المحادثات مع القوات المتهمة بالتطهير العرقي وجرائم الحرب.
وأضافت الغارديان أن هذه الأنباء تثير تحذيرات من أن مثل هذه المحادثات “تخاطر بإضفاء الشرعية” على ما وصفتها بالميليشيا السيئة السمعة التي تواصل ارتكاب جرائم حرب متعددة، في حين تقوض مصداقية بريطانيا الأخلاقية في المنطقة، وفق تعبيرها.
ووصفت إحدى جماعات حقوق الإنسان استعداد المملكة المتحدة للتفاوض مع ميليشيا الدعم السريع بأنه “صادم”، حسبما نقلت الصحيفة.
وذكرت الغارديان أن استجابة بموجب قانون حرية المعلومات البريطاني تكشف أن كبار المسؤولين في وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية حثوا على عقد محادثات مع ميليشيا الدعم السريع.
وكانت أحدث هذه المحادثات بين المملكة المتحدة و”الدعم السريع” في مارس/آذار الماضي.
ووفقا للصحيفة، فقد جاء في رد “حرية المعلومات” أن وزارة الخارجية والتعاون الدولي حاولت الاتصال بممثلين من ميليشيا الدعم السريع ونجحت في ذلك.
وكان آخر اتصال ناجح يوم الأربعاء السادس من مارس/آذار الماضي عندما التقى مسؤولون من وزارة الدفاع والأمن ممثلين عن قوات الدعم السريع.
وأضاف مسؤولون بريطانيون أنهم لم يلتقوا حتى الآن قائد ميليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
انتقادات حقوقية
من جهته، قال شاراث سرينيفاسان -المدير المشارك لمركز الحوكمة وحقوق الإنسان بجامعة كامبردج البريطانية- إنه على الرغم من أنه “يتفهم إغراء التحدث إلى قوات الدعم السريع، فإن هذا النهج لم يؤد إلا إلى تأجيج العنف في السودان”، وفق ما نقلت عنه الغارديان.
وأضاف أن “التحدث مع الذين يحملون الأسلحة كان جزءاً من استمرار العنف والاستبداد في السودان على مدى العقدين أو الثلاثة عقود الماضية”، وتابع أن “البراغماتية لم توصلنا إلى أي مكان”، حسب تعبيره.
من جهتها، قالت مادي كروثر -المديرة المشاركة لمنظمة حقوق الإنسان (رهان السلام)- “لقد صُدمت؛ يبدو الأمر كأنه خطوة فظيعة، بالنسبة للسودانيين، سيكون الأمر بمثابة صفعة”.
وأضافت كروثر أنه “ستكون هناك صدمة مطلقة، وشعور حقيقي بالخذلان التام من حكومة المملكة المتحدة”. وأشارت إلى أن التاريخ أثبت أن الحديث مع ميليشيا الدعم السريع “لم يسفر سوى القليل من الإيجابيات”، وفق تعبيرها.
وقالت كروثر “تفترض هذه المحادثات أيضا أن قوات الدعم السريع هي جهة فاعلة حسنة النية، ولكن الحديث مع تلك الجهة لم تسفر أبدا عن النتائج التي تقول المملكة المتحدة إنها تريد تحقيقها في السودان. ليست لدي أي فكرة عن سبب تغير ذلك في الوقت الحالي”، وفق تعبيرها.
ومع ذلك، قالت وزارة الخارجية البريطانية إن المحادثات كانت محاولة لزيادة إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية وإنهاء القتال ضد القوات المسلحة السودانية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن “المملكة المتحدة تواصل اتباع جميع السبل الدبلوماسية لإنهاء العنف في السودان لمنع وقوع مزيد من الفظائع، والضغط على الطرفين (الجيش والدعم السريع) للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وحماية المدنيين، والالتزام بوقف إطلاق النار”.
وفي تعليقه على الموضوع، قال اللواء الركن متقاعد عامر محمد الحسن إن حقيقة الحرب في السودان واضحة المعالم، وكل المعلومات عنها حاضرة في الإطارين الإقليمي والدولي، والحلول أيضا واضحة وموجودة في أذهان كثيرين، سواء كانوا سياسيين أو مراقبين.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن الخطوة البريطانية بالتأكيد فيها تجاوز لما يحدث على الأرض، فالحرب منذ بدايتها حتى الآن أخذت مسارين: مسارا قتاليا وآخر تفاوضيا، وواضح جدا للجميع أن منبر جدة هو الذي بدأت فيه المفاوضات، والأجدر أن يكون هناك دعم لهذا المنبر، لأنه وضع أسسا وقواعد إطارية واضحة جدا، وكانت تحتاج فقط إلى التنفيذ من قبل ميليشيا الدعم السريع.
وقال إن عدم تنفيذ مخرجات هذا المنبر ينفي أي منطلقات أخرى في إطار آخر لحل هذه القضية، لأن المسألة أعمق من أن تكون مجرد مساعدات ووساطات بين الدول والحكومات، وكذلك أصبحت هذه المشكلة تمثل الشعب السوداني عموما، فكل فرد في الشعب السوداني الآن متأثر بهذه الحرب وهو طرف أصيل فيها.