كانت موافقة القيادة الحالية للبلاد على التفاوض مع حميدتي بجدة خطأً. فقد قاد حميدتي تمرداً، وزاد الطين بِلّةً بأن جلب مرتزقة من خارج الحدود يقاتلون السودان؛ وزاد الطين عفناً بارتمائه في أحضان قوى أجنبية تزوده بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية. ثم لم يدع جريمة إلّا وارتكبها في حق المواطنين العزل الأبرياء؛ وهذه لا تحتاج لشرح. أمًا ثالثة الأثافي في قبول التفاوض فهي أنه ساوى بين مجرم غازي والجيش الوطني. ورغماً عن هذا لم نتعظ بعدم التزامه بما التزم به في مفاوضات جدة.
والمحيّر فوق ذلك كله أن القيادة الحالية ظلّت تتعامى عن أن قحت والمليشيا شيء واحد. وحتى بعد تحالفهما المعلن في اتفاق أديس الأخير، عمدت الحكومة إلى الإمعان في الإنكار أنهما عدو واحد للسودان.
من ناحية أخرى تجاوز كلا رئيسي إثيوبيا وكينيا الأعراف والتقاليد الدبلوماسية والأعراف المرعية في العلاقات بين الدول المتحاورة خاصة، حين قالا بفراغ سلطوي بالسودان؛ ثم أفرطا في التجاوز بمعاملة المتمرد حميدتي كرأس دولة؛ وكذلك تجاوزت الحدود حكومات جنوب السودان وجيبوتي في دعمهم للمتمرد. وتلح عليَّ تجربتي الأفريقية أن أقول إن شراء الساسة الأفارقة ( بما في ذلك بعض ساستنا) أسهل من شربة ماء، والإمارات جاهزة للشراء دوماً؛ والدول الغربية تعبث بهم كيفما شاءت، فهم طوع بنانها. وما فعلته إيقاد IGAD، كان أقله تجاوز قواعد الإجراءات Rules of Procedures لمنظمة حكومية Inter-Governmental ; ومن ثم فإن التواطؤ والتآمر أوضح من شمس الظهيرة؛ وخيراً فعل السودان ” بتجميد ” تعامله معها في الملف السوداني. لكن الأنكى استعداد البرهان للقاء حمدوك.
وحمدوك هو رئيس الجناح السياسي للميليشيا المتمردة المجرمة (المسمى حديثاً تقدم) وهو والمتمرد حميدتي سواء. وعمالة حمدوك لكل القوى المتآمرة على السودان لم يعد يحتاج لدليل. حبذا لو علم البرهان أن لقاءه بهؤلاء العملاء إنما قُصِد منه إجهاض المقاومة الشعبية التي أزعجهم ظهورها غاية الإزعاج. ثم إن لقاءه بالعميل حمدوك محبط للملايين التي اصطفت سنداً وعضداً للجيش. وفي ضوء أن الجماهير كانت تشتكي من عدم إعلان حالة الطوارئ التي تضيق الخناق على الميليشيا وكل المتعاونين معها؛ واشتكت في تأخر الحكومة في الدعوة للمقاومة الشعبية؛ ولا زالت تشتكي من عدم التسليح الكافي لعشرات ألوف المتطوعين.
عملياً لم تسلح الحكومة المتطوعين بالقدر الكافي، لكنها سلحت حركات دارفور وأغدقت عليهم بسخاء المليارات من الجنيهات. وشتان بين المتطوعين الوطنيين في المقاومة الشعبية، وبين مسلحي حركات دارفور. ذلك لأن حركات دارفور ميليشيات قبلية شئنا أم أبينا. ولاؤها الأصلي لقبائلها وبعد ذلك يأتي أي ولاء آخر، بما في ذلك الولاء للوطن.
فلو أن للحكومة خوفاً من تسليح فالأولى الخوف من تسليح ميليشيات قبلية، تظل القبيلة لحمتها وسداها. هذا في حين أن متطوعي المقاومة الشعبية هبُّوا لنصرة الجيش وحماية الوطن من كل حدب وصوب وبلا أجندة متحيزة لجهة.
وفي ضوء الرعب المُعلن الذي أصاب القحاتة وداعميهم من الدول؛ تتركّز لديَّ قناعة أن القيادة ترضخ للضغوط الخارجية أكثر. وهذه كارثة وطنية. تُرى هل نحتاج لتذكرة القيادة أن الاستماع لأنّات الملايين أولى من الاستماع لتآمر الخائن حمدوك وزمرته؟؟تُرى هل نحتاج لتذكرة القيادة أنها غير مفوضة لتفعل بالسودان ما تشاء، كونه ليس ضيعة مملوكة لها؟
إن اللقاء بحمدوك خيانة للملايين التي تقف بصلابة مع الجيش ضد كل “الحمادكة”. واللقاء معه تواطؤ لإجهاض المقاومة الشعبية – ظهير الجيش – التي هي مخرج السودان الوحيد مما حاق به.
والذي يثير الأسف والدهشة معاً ؛ هذا التقتير في إحاطة الشعب بالمعلومات والتطورات .
ليس من الحكمة أو حُسن السياسة أن تترك الجماهير في الظلام سنيناً ؛ وليس من الرأي أن تضرب القيادة صفحاً عن كل صاحب رأي .
فالقائد الذي يتصرف كأنه بكل شيء عليم ، يدّعي الألوهيّة وإن لم يعترف .
مؤسفٌ حقاً أن القيادة لا تستشير ولا تستمع لمن يُشير ، رغم قِلّة معرفتها بالسياسة داخليةً كانت أم خارجية. قيادتنا بلا مستشارين وفي الحمى عدد الكواكبِ من مُشير . غدا بدهيّاً أن القيادة المعتمدة على شعبها أقوى وأدوم حًكماً.
وأصبح بدهيّا أن القيادة المُلْتَفِتَة للخارج تتعرى أمام شعبها وتثير شكوكه وتفقد سنده.
فلتختر قيادتنا أي السبيلين تَسْلُك.
📍السفير عبد الله الأزرق
—————————————
17 يناير 2024