“لا للحرب”، من أكثر الشعارات بؤساً لأنه يقرر بدهية لا يقف ضدها بشر، ولكن وراء الشعار من المكر والخداع والخبث ما يملأ أودية، ذلك أن الحرب مثل الموت لازمت الجماعات البشرية منذ الأزل، فلم تستطع الأديان ولا الفلسفات ولا مدارس السياسة إيقافها، والحرب ظاهرة اجتماعية لا فكاك منها، والناس عندما تناقشها لا تناقش إيقافها خارج السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تسبب بها إلا من شخص ماكر لا يريد أن يتحمل مسؤوليته عنها أو جاهل يدعي المعرفة ويهرف بما يقوله الآخرون من غير هدى ولا فقه.
انظر للداعمين للفكرة في منبر جدة، وهم الأمريكان والذين يؤكدون على وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية من غير اعتبار للبعد السياسي والاجتماعي لهذا المسلك، انظر إلى موقفهم في حرب غزة. كيف أصروا على أمن إسرائيل كأولوية؟ وكيف وقفوا في مجلس الأمن وفي المنصات الإعلامية كلها بوضوح مع تدمير الطرف المعتدي؟ وركزوا على قصة الاعتداء وأسسوا عليها كل أطروحاتهم وصنفوا حركة مقاومة وتحرير بالإرهاب ووصموها بكل العيوب، لماذا لم يظهر هذا الموقف نفسه في منبر جدة؟!
ثم كلمة “الأطراف” هذه التي ساوت بين جيش قوي البنية ووطني الهوية بقوة أسرية سخرت القبلية والجهوية والطائفية والارتزاق وكل التناقضات لتشن حرباً على حاضنة الدولة وتدمير البنى التحتية القومية واحتلال بيوت المدنيين وسرقة ممتلكاتهم واغتصاب نسائهم ثم تجد من مزيفيي الوعي والأرزقية وأصحاب الهوى من يساندهم في كل ذلك بكلمة “لا للحرب”، وكأنه شيطان أخرس.
الكل يعلم أن كلمة “لا للحرب” هي دثار للخزي والعار الذي وجدت نخبة منبتة من متسلقي السياسة نفسها فيه، فالتمرد نفسه لم يقل بلا للحرب، ولم يفرز بيوتهم ولا أولادهم ولا نساءهم ولا مدنهم من التنكيل، ولكن هي الكراهية الطاغية على العقل والتي هي سمة عقائدي السياسة وناشطيها الذين يريدون لمعبد السياسة السودانية أن ينهد على الجميع طالما فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة دولاب الدولة منذ ٢٠١٩، وقد شهدوا هم قبل الآخرين على جهالتهم السياسية ورعونتهم الوطنية وأمامهم مؤسسهم عجل السامري الذي ذراته عواصف السياسة إلى واد سحيق.
“لا للحرب” عبارة من لا مبدأ له ولا موقف له ويواري خجله بورقة توت صفراء لا أحد يريد الحرب إلا من بدأ القتال ودبر له واشترى الذمم وجلب الذخائر والسلاح بليل وملأ المخازن وتسور المؤسسات الحيوية وتحالف مع جماعة “لا للحرب” لإعلان حكومتهم بعد نجاح الانقلاب الذي صعقهم إفشاله وتحطم أحلامهم في ملك لم يفعلوا شيئاً من أجله إلا التحريض وسوق البسطاء للانتحار العسكري والسياسي ودمار إمبراطورية “آل دقلو” التي عادت كسبأ بعد جنتها وتهاوى ملكها، “لا للحرب” كذبة مفضوحة لأقزام المشهد وجرابيعه، وسيعلمون بؤس موقفهم مع الأيام فهم قوم لا يفقهون.