للحديث بقية
عبد الخالق بادي
تمخضت القمة العربية فولدت خيبة!!
لم تخيب القمة العربية الإسلامية المشتركة والطارئة بالرياض، والتي انعقدت أمس وأمس الأول (بخصوص حرب الإبادة التي يقوم بها الصهاينة ضد الفلسطينيين بغزة والضفة)، ظني وظن الكثيرين من العرب والمسلمين، وذلك بعد أن خرجت كسابقاتها من القمم، ببيان هزيل لا يصب إلا في مصلحة المحتل الإسرائيلي، وهو بمثابة تصريح له بأن يمعن فى إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم كما يخطط اليهود منذ تدنيسهم أرض فلسطين، كما يعكس البيان حالة الضعف التى يعيشها معظم الحكام العرب والمسلمين.
فالبيان الختامي للقمة الاستثنائية الإسلامية العربية دعا جميع الدول لوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، ولا أدري من يقصدون بجميع الدول؟ فالسلاح الذي يقتل به المحتل الفلسطينيين سلاح أمريكي وأوروبي،فهل سيستجيبون لدعوة القمة وهم قد أعلنوها جهاراً نهاراً منذ ٧ أكتوبر، بأنهم مع إسرائيل حتى تحقيق أهدافها، في حين عجزت الدول العربية والإسلامية (المطبّعة مع اليهود) عن مجرد إصدار قرار بقطع العلاقات مع الاحتلال وهم يشاهدون مذابحه وجرائمه الفظيعة.
فى إحدى فقرات بيان القمة أدان الحكام العرب والمسلمين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر التي وصفوها بـ(الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها إسرائيل)، فبعد أكثر من شهر تم فيه قتل أكثر من أربعة ألاف طفل ومثلهم من النساء، وهجر مليون إنسان ودمرت ٢١ مشفى وعشرات المدارس وآلاف المنازل، (ياداب) أحس حكامنا( الأماجد) بالجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الصهاينة بحق الصغار والكبار، وجاؤوا ليخبرونا بما يرتكبه اليهود من فظائع.
واستغربت( ولعلك تعيش معي عزيزي القارئ نفس حالة الاستغراب) ما جاء في البيان الختامي المشترك، بمطالبة القمة لمجلس الأمن (باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية)، تخيلوا يطالبون مجلس الأمن الذي فشل قبل شهر فقط في إدانة إسرائيل وإلزامها بهدنة مؤقتة، ثم ينسون أن هنالك قرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة غير العادية في الـ٢٧ من أكتوبر الماضي، بوقف الأعمال العدائية وإقامة هدنة إنسانية فورية، فكيف تطالب قمة الرياض مجلس الأمن (الذي فشل) بالتدخل فى حين أن هنالك قرار أممي بوقف إطلاق النار لفترة لم ينفذ ولو جزء منه؟ بأن أمريكا ربيبة اليهود تعارض تطبيق أي وقف لإطلاق النار.
إن توصيف البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة حرب المحتل الإسرائيلي على غزة بأنها(حرب انتقامية وليست دفاعاً عن النفس ولا مبرر لها)، يمكن أن نقول إن تأكيد المؤكد سلفاً، فلم يأت البيان بجديد، لأن الكل يعلم أن اليهود اتخذوا هجوم المقاومة على بلدات غلاف غزة وأسر العشرات من الإسرائيليين ذريعة لتنفيذ مخططات موضوعة مسبقا لإبادة وتهجير الفلسطينين من أرضهم، بدليل التصريحات المستفزة لعدد من الوزراء والمسؤولين اليهود قبل هجوم السابع من أكتوبر، لدرجة أن أحدهم وصف العرب بالحشرات التي يجب إبادتها، وآخر قال: ليس هنالك ما يسمى بعرب فلسطين وأن فلسطين لليهود فقط.
البيان وفي فقرته الأخيرة أثار علامات استفهام كثيرة، وذلك عندما دعا إلى (كسر الحصار عن غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية)، ولا أدري ماذا يقصد البيان بكلمة (فرض، فهل سيتم إدخال المساعدات غصباً عن (عين) إسرائيل؟ وهل تستطيع الأنظمة العربية والإسلامية فعل ذلك بالقوة؟ هذا مستبعد، فمن عجز عن إنقاذ إخوانه من القتل والإبادة ولو بأضعف الإيمان (بقطع العلاقات) لن يقوى على مساعدتهم لأنه لا يملك قراره، ثم هل إدخال المساعدات(طبعاً بموافقة الاحتلال) سيشفع لحكامنا أمام شعوبهم التي خرجت متضامنة مع الأطفال والنساء الذين أبيدوا على مرآى منهم؟ وهل سترضى عنهم شعوبهم التي تطالب بالتدخل الفعلي لا بالتنديد والمناشدات لأمريكا والغرب( الداعمون لليهود) بالتدخل لإيقاف إطلاق النار؟ لا يمكن.
نحن حقيقة نعيش زمن الانحطاط العربي والإسلامي، كيف لا وحكام وأنظمة عربية وإسلامية ظلت وعلى مدار السنوات الماضية، تتسابق وتتنافس من أجل كسب رضا اليهود، عبر ما يسمى باتفاقيات التطبيع(الإبراهيمية)، والتي سميت زوراً باتفاقيات السّلام، فهل الفلسطينيون المحتلة أرضهم أولى بالسلام أم الكويت والإمارات والبحرين وتركيا ومصر؟ وما المقابل الذى حصلت عليه هذه الدول وغيرها من هذه الاتفاقيات الموجودة فقط على الورق؟ وهل الصهاينة المغتصبون جادون في السلام؟ مستحيل، فكيف يجدون فيه وهم موقنون من أنهم محتلين ومستوطنين يسكنون أرضاً ليست أرضهم؟ فهم يريدون أن يبقوا في فلسطين بالقوة ورغماً عن أنف العرب والمسلمين ومستعدين لإبادتهم كما حدث في نكبة١٩٤٨ وكما يحدث الآن، عليه فإن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والمسلمة ستنتظر وستعاني طويلاً حتى يأتي الله بصلاح الدين جديد أو معتصم آخر كالخليفة المعتصم بالله العباسي، والذي استجاب لاستغاثة امرأة على بعد آلاف الأميال وقعت في أسر الروم المعتدين بعمورية، فيقود المعتصم جيشاً بنفسه ليفك أسر المرأة ويقول لها: هل أجابك المعتصم؟ فقالت له نعم، واليوم آلاف الأطفال والنساء بل شعب بأكمله يستغيث، واإسلاماه، واعرباه وامعتصماه، ولكن للأسف ليس بين حكامنا معتصم، فهم يجيدون فقط الأقوال عاجزون عن الأفعال، وختاماً نهدي حكامنا بيت الشاعر العباسي أبو تمام والذي يقول فيه:
السيف أصدق أنباء من الكتب* في حده الحد بين الجد واللعب
870 3 دقائق