في احدى لقاءاته مع القوى السياسية والمدنية قبل أكثر من شهرين أكد المبعوث الامريكي توم بيرييلوا أنه في حالة فشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق في جدة ستسعى الولايات المتحدة لإنشاء منبر اخر، وبالفعل دعت الولايات المتحدة كلا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام في جنيف بسويسرا تبدأ في ١٤ اغسطس تحت رعاية المملكة العربية السعودية وتشمل اخرين مراقبين بما فيها الامارات العربية المتحدة. ولكن اطلاق المبادرة الامريكية في هذا التوقيت جانبه الصواب في بعض جوانبه للأسباب الاتية:
1. قدمت الدعوة للقوات المسلحة السودانية بدلا من الحكومة السودانية رغم اعتراف الدول والمنظمات الاقليمية والدولية بحكومة الأمر الواقع في بورتسودان مما يعني أن الولايات المتحدة ما زالت لا تعترف بالحكومة السودانية.
2. ما زالت هنالك تساؤلات حول طبيعة منبر جنيف، عما اذا كان منبرا جديدا بديلا لمنبر جدة؟ أم هو امتداد لمنبر جدة خاصة ان الرعاية ما زالت للمملكة العربية السعودية؟ واذا كان الامر كذلك كان من المفترض ان تصدر الدعوات من المملكة العربية السعودية راعية المفاوضات بدلا من الولايات المتحدة الامريكية.
3. لقد سبق ان رفضت الحكومة مشاركة الامارات العربية في المنبر، فهل تراجعت الحكومة عن موقفها؟
4. حتى الان لم تعبر القوات المسلحة عن موقفها من الدعوة الامريكية.
لقد ظللنا في قوى الحراك الوطني نؤكد على أهمية الحوار لوقف اطلاق النار وانهاء الحرب ومعالجة آثارها كأولوية قصوى وأكدنا على ضرورة استمرار منبر جدة الذي كنا وما زلنا نعتقد بانه المنبر الأمثل لمفاوضات المحور الأمني والإنساني وفق أسس ومبادئ تفرضها الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد وأهمها ضرورة الالتزام بالتعهدات السابقة وفي مقدمتها ما تم الاتفاق عليه في منبر جدة في 11 مايو 2023 وخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين ومن الاعيان المدنية. اذا افترضنا ان الحكومة السودانية قد تجاوزت مسالة تقديم الدعوة باسم القوات المسلحة بدلا من الحكومة وقررت المشاركة في محادثات جنيف فهنالك عدة محاذير ينبغي ان تنتبه لها الحكومة وفي مقدمتها عدم القبول بان تبدأ مباحثات جنيف من الصفر متجاوزة ما تم الاتفاق عليه في منبر جدة ، واي حديث خلاف ذلك ستجد القوات المسلحة نفسها قد تورطت في مباحثات جديدة للاتفاق على وقف لإطلاق النار وفي ذلك مغامرة قد لا تكون نهاياتها مرضية.
بدء مباحثات جنيف من الصفر يعني تجاوز منبر جدة وتأسيس منبر جديد ومبادرة جديدة، وهذه الخطوة الامريكية ستؤدي بدون ادنى شك الى اضفاء المزيد من التعقيد على الازمة الراهنة وتطويل امدها عبر انشاء منبر ضرار قصد منه ابعاد المملكة العربية السعودية من ملف الازمة السودانية علما بان منبر جدة ظل المنبر الوحيد الذي تم تخصيصه لمفاوضات المحور الامني والانساني. ان خطورة تعدد المبادرات والمنابر الإقليمية والدولية يكمن في انها تعكس بجلاء التنازع بين أصحاب المبادرات وتنافس اجنداتهم في السودان والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بمصالح تلك الجهات والتي ليس بالضرورة ان تتوافق مع مصالح البلاد ومقاصدها العليا.
لقد ظلت قوى الحراك الوطني تجدد موقفها الرافض للتدخلات الخارجية التي تنتهك سيادة البلاد وتسلب قرارها الوطني خاصة من الدول المتورطة في تأجيج الحرب التي ارتكبت فيها انتهاكات واسعة بواسطة المليشيات والمرتزقة الأجانب. ونحن إذ نؤكد على حق القوات المسلحة في حماية البلاد، امنها واستقرارها وقوام الدولة نؤكد على تحفظنا على مشاركة دولة الامارات في مباحثات جنيف لأنها لعبت دورا أساسيا في كل الدمار الذي طال البلاد ومصالح اهل السودان.
د. علي الشريف عمر الشريف الهندي
الأمين العام
المتحدث الرسمي